وزارة مفلح الفاتكي
أما جنسه فبطن الحبشة يقال لهم : سحرت ، وكان يكني : أبا المنصور ، ومنصور ولد له. وكان (أبو) منصور هذا رشيدا من الأعيان أهل الخبرة والفقه والأدب ، والصباحة والشجاعة والسماحة والرياسة الكاملة. وكان الناس يقولون : لو كان له نسب من قريش كملت له شروط الخلافة. وكان عبيد فاتك ينبزون مفلحا بالبغل. فكان يقال له : مفلح البغل ، لأنه كان يدلي آلة مثل التي يدليها البغل ، وكان مع ذلك عفيف الذيل ، ولم يعلم له صبوة في صغر ولا في كبر (١).
قال حمير : ولقد أذكر يوما من عفافه ، أنه دعاني وهو وزير فقال : قد (٢) تنكد عليّ العيش ، بسبب ما أسمعه كل حين من غناء وردة جارية الأمير عثمان الغزي ، و (ما) (٣) يوصف لي من جمالها. ولقد استدت على أبواب الحيلة في حصولها عندي. قلت : إن كنت تريدها سفاحا بذلت وسعي في خدمة الوزير. فقال : والله ما عصيت الله تعالى بفرجي منذ خلقت. قلت : فبكم يشتريها الوزير؟ قال : بكل ما يقترح مولاها ، وكان مولاها أميرا (٤) جليلا ، كبير القدر ، له وجاهة ومنزلة في الدولة. ثم هو مقدم الغز الذين استدعاهم الملك جياش لمحاربة سبأ بن أحمد الصليحي ، وعثمان هذا أميرهم وشيخهم ، وهم أربع مئة فارس رماة ، وبهم امتدت دولة الحبشة على العرب.
وكان الملك جياش استدعى منهم ثلاثة آلاف قوس ، فلما فصلت عن مكة منهم ألفان إلى زبيد ، ندم جياش على رأيه ، وعلم أنهم يخرجونه من البلاد ويستولون عليها. فتقدم جياش على الولاة (٥) الذين أمرهم على الغز
__________________
(١) في خ : في صغره ولا كبره.
(٢) في الأصل : مذ.
(٣) زيادة من خ.
(٤) في الأصل : إماما.
(٥) في الأصل : ولاية.