على أقدامه وقال دعنى ادخل إلى القصر لأتوضأ فقال مسرور الدخول فكرة محالة وليس لدى أمر بذلك ولكن قل وصيتك بكل ما تريد فحرر" جعفر" الغلامين وقال وصيته فى الأموال ثم توضأ وأركبه مسرور على الجواد ثم خرج به وأنزله فى القبة التى كانت سجنا له (١). فأخذ جعفر عليه الأيمان بأن يذهب ويقول لقد أحضرته عساه يندم وحينما كان مسرور يمشى إلى الرشيد وصل وقع أقدامه إلى مسامع الرشيد فأدرك أنه هو فقال له ابق حيث أنت فلو تأتى إلى بدون رأس جعفر فسوف أطيح برأسك أولا ثم برأسه بعد ذلك فعاد مسرور وحمل رأس جعفر ووضعها فوق درع وقدمها إليه ولف جسده فى نطع جلدى وعلى الفور أمر هارون بحبس كل من يحيى بن خالد والفضل وعلقت جثة جعفر على رأس جسر الأنبار حتى ندم هارون على قتل جعفر وكان يطوف فى القصر وهو يردد تلك الأبيات :
يا من تباشرت القبور بموته |
|
قصد الزمان بسهمه فرماكا |
حل البكاء وطال بعدك حزنه |
|
لو يستطيع بملكه لفداكا (٢) |
أبغى الأنيس فلا أرى لى مؤنسا |
|
إلا التردد حيث كنت أراكا |
وقد أورد الأصمعى فى كتاب النوادر الرواية الثانية فى سبب زوال البرامكة عن أبى عبد الله الحسن بن على بن هشام أنه قال حينما آلت الخلافة إلى المأمون بعد الرشيد سألت الفضل بن الربيع الذى كان الحاجب الخاص لهارون الرشيد عن سبب قتل البرامكة هل هو أمر عباسة الذى جرى على أفواه العامة أم إلى جانب خيانة أخرى فتبسم" الفضل بن الربيع" وقال على الخبير بها سقطت (٣) وروى بأن" الفضل ابن الربيع" هذا لم يكن له نظير فى عصره فى كمال عقله ولم يكن شىء من أسرار" الرشيد" خافية عليه وقد أصبح من بعد" الرشيد" وزيرا ومشيرا ومدبرا" لمحمد بن زبيدة" ، ولما استولى المأمون على بغداد أمسكوا به واقتادوه إلى حضرة الخليفة وهو مكبل الأيادى ، فكان يقف بين يدى المأمون وقد ركز المأمون عينه فيه عساه ينطق بكلمة اعتذار ويطلب العفو لكن لم يرفع رأسه من الأرض وظل صامتا فقال المأمون :
__________________
(١) وردت هذه الأبيات لدى ابن الأثير ، والمعروف أن كتابه أسبق من تاريخ ابن إسفنديار ومن الممكن أن يكون قد اطلع عليه أو أخذ عنه (المترجم).
(٢) تمثل الرشيد فى هذه الأبيات بقول العباس بن الأحنف فى رثاء هيلانة جارية هارون الرشيد والأصل : يا من تباشرت القبور بموتها ... ابن الأثير ـ الكامل فى التاريخ ج ٥ ، ص ٨٨
(٣) على الخبير بها سقطت ، والخبير هو العالم وسقطت أى عثرت وعبر عن العثور بالسقوط لأن عادة العاثر أن يسقط على ما يعثر عليه وتمثل به الفرزدق للحسين بن على رضى الله عنهما حين أقبل يريد العراق فلقيه وهو يريد الحجاز فقال له الحسين ماوراءك قال على الخبير سقطت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية والأمر ينزل من السماء فقال الحسين رضى الله عنه صدقنى. (الميدانى ـ مجمع الأمثال ـ ج ٢ ص ٢٤).