وفى ذلك الوقت كانت امرأة تدعى مريم ولها ولد وحيد فلما أشتد عليهما الجوع قبضت باليسرى على ناصيته وباليمنى على السكين وذبحته بعد أن قالت له أيها الولد المنكود الحظ لماذا أبقيك هل لتموت جوعا أو لتموت فريسة الرومان ثم شوت منه جزءا وأكلت فلما أشتم الخوارج رائحة اللحم بادروا مسرعين إلى المرأة فلما وقفوا على حقيقة الأمر أستعظموا ذلك فقالت لهم : خذوا وكلوا لستم أحن من أمه التى ذبحته بيدها. وهذا كاف لتبيين الشدة والضيق اللذين نزعا من الوالدين حاسيات الحنو والشفقة ، ولما شاع هذا الخبر فى المدينة أيقن الأهالى بصحة النبوات عن خراب المدينة فخرج فى ذلك الوقت إلى الرومان جمع كثير فأمر تيطس أصحابه بالإحسان إليهم وكانوا كثيرين رجالا ونساء وأولادا ففعل أصحاب تيطس كما أمرهم وكان كثيرون منهم لا يقدرون أن يفتحوا أفواهم وكثيرون لما أكلوا الطعام ماتوا وكان الأولاد يخطفون الطعام وينهشونه ثم يموتون للحال فلما بلغ تيطس ذلك دعا إليه يوسيفوس وأمره أن يعولهم فسقاهم اللبن وأعتنى بهم فعاش كثيرون منهم وكان بعض من خرج إلى عسكر الرومان من اليهود قد ابتلع ذهبا لتخلصه لنفسه وإذ كان أحدهم يفتش ما برز منه ويأخذ ما كان بلعه رأه بعض السريان فأخبر رفيقه فقتلا اليهودى وأخذا ما كان معه وفشا ذلك بين السوريين والعرب فكانوا يقتلون كثيرين لأجل ربح المال فلما بلغ تيطس ذلك أمر بنفى العرب والسريان من معسكره. ولما علم الرومان بسوء حال اليهود وفناء أكثرهم تقدموا إلى السور الثالث ونصبوا عليه الكباش ليهدموه فلم يكن للخوارج قوة على حرقها كما فعلوا فيما تقدم إلا أنه مع ما هم عليه من الضعف واليأس قاتلوا قتالا شديدا وقتلوا جماعة كثيرة فعند المساء عاد