العازر فعل شمعون أيقن بخراب المدينة فخرج منها وأقام فى بعض المواضع إلى أن أنصرف تيطس. ولما طال الحصار على المدينة فنى كل شىء كان فيها من القوت فأكلت الناس الجيف ودبيب الأرض وكان من يملك على قليل من الحنطة يخاف أن يطحنه أو يخبزه لئلا يعلم به غيره فيأخذه منه فكانوا يأكلون الحنطة حبا ويسفون الطحين ويتخاطفون اليسير إذا وجدوه فلا يأمن الأب أبنه ولا البنت أمها فعظم الجوع والقحط وأشتد الأمر فمات كثيرون وأشتغل الأحياء بأنفسهم فلم يدفنوا موتاهم وكان بعضهم يرمى موتاه فى الآبار وبعضهم يحفر قبرا لنفسه وينام فيه إلى أن يموت وبطل البكاء وانقطعت الأصواب وزال الحنوّ وعدم الرثاء وأمتلأت المنازل والشوارع والأزقة من الجثث وكان الخوارج يرمون الموتى من السور إلى الوادى حتى اجتمعت منهم تلالا فمر تيطس ورأى ذلك فاستعظم الأمر ورفع يديه نحو السماء وقال اللهمّ لا تقم علىّ خطية لأن هذا الفناء قد جلبه رؤساء اليهود وقد استدعيتهم إلى الصلح مرارا وبذلت جهدى لذلك ولم يقبلوا. ولما طال الحصار جاع الخوارج وأصحابهم وأذاقهم الله ما أذاقوه للناس فأكلوا الحب الذى يوجد فى زبل الحيوان وجلود البهائم المائتة ثم أكلوا ما يوجد من الجلد على سروجهم على سيوفهم وكانوا يطلبوا شيئا من النبات فلم يجدوا لأن الرومان قطعوا كل الأشجار التى كانت حول أورشليم وكان حولها بساتين كثيرة من كل جهاتها مسافة أميال فكان متى أقبل إليها الإنسان يرى أحسن منظر وكان كل من يعرف ما كانت عليه وما هى فيه يبكى ويتحسر.