ولو لم يكن لها من المتاجر إلا أوان الموسم ، ففيه مجتمع أهل المشرق والمغرب ، فيباع فيها في يوم واحد ـ فضلا عما يتبعه من الذخائر النفيسة كالجواهر والياقوت وسائر الأحجار ، ومن أنواع الطيب كالمسك والكافور والعنبر والعود ، والعقاقير الهندية ، إلى غير ذلك من جلب الهند والحبشة ، إلى الأمتعة العراقية واليمانية ، إلى غير ذلك من السلع الخراسانية ، والبضائع المغربية ، إلى ما لا ينحصر ولا ينضبط ـ ما لو فرق على البلاد كلها ، لأقام لها الأسواق النافقة ، ولعم جميعها بالمنفعة التجارية. كل ذلك في ثمانية أيام بعد الموسم ، حاشا ما يطرأ بها مع طول الأيام من اليمن وسواها ، فما على الأرض سلعة من السلع ولا ذخيرة إلا وهي موجودة فيها مدة الموسم. فهذه بركة لا خفاء بها ، وآياتها التي خصها الله بها.
وأما الأرزاق والفواكه وسائر الطيبات ، فكنا نظن أن الأندلس اختصت من ذلك بحظ له المزية على سائر حظوظ البلاد ، حتى حللنا بهذه البلاد المباركة ، فألفيناها تغص بالنعم والفواكه كالتين والعنب والرمان والسفرجل والخوخ والأترج والجوز والمقل (١) والبطيخ والقثاء والخيار ، إلى جميع البقول كالباذنجان واليقطين والسلجم والجزر والكرنب إلى سائرها ، إلى غير ذلك من الرياحين العبقة والمشمومات العطرة. وأكثر هذه البقول ، كالباذنجان والقثاء والبطيخ ، لا يكاد ينقطع مع طول العام. وذلك من عجيب ما شاهدناه مما يطول تعداده وذكره. ولكل نوع من هذه الأنواع فضيلة موجودة في حاسة الذوق ، يفضل بها نوعها الموجود في سائر البلاد. فالعجب من ذلك يطول.
ومن أعجب ما اختبرناه من فواكهها البطيخ والسفر جل ، وكل فواكهها عجب ، لكن للبطيخ فيها خاصة من الفضل عجيبة ، وذلك لأن رائحته من أعطر الروائح وأطيبها. يدخل به الداخل عليك فتجد رائحته العبقة قد سبقت إليك ، فيكاد يشغلك الاستمتاع بطيب رياه عن أكلك إياه ، حتى إذا ذقته خيل إليك أنه شيب بسكر مذاب أو بجنى النحل اللباب. ولعل متصفح هذه الأحرف يظن أن في الوصف بعض غلو ، كلا لعمر الله! إنه لأكثر مما وصفت وفوق ما قلت ، وبها عسل أطيب من الماذي
__________________
(١) المقل (بضم الميم وسكون القاف) : ثمر الدوم.