حيال البيت المعمور ، وكفى بهذا المجتمع الكريم والمنتظم الشريف ، جعلنا الله ممن طهر فيه من أرجاس الذنوب ، واختص من رحمة الله تعالى بذنوب ، ورحمته سبحانه واسعة تسع عباده المذنبين ، إنه غفور رحيم.
وذكروا أن الإمام أبا حامد الغزالي دعا الله عز وجل بدعوات ، وهو في حرمه الكريم ، في رغبات رفعها إلى الله جل وتعالى ، فأعطي بعضا ومنع بعضا. وكان مما منع نزول المطر وقت مقامه بمكة ، وكان تمنى أن يغتسل به تحت الميزاب ويدعو الله عز وجل عند بيته الكريم في الساعة التي أبواب سمائه فيها مفتوحة فمنع ذلك وأجيب دعاؤه في سائر ما سأله. فله الحمد وله الشكر على ما أنعم به علينا. ولعل عبدا من عباده الصالحين الوافدين على بيته الكريم خصه الله بهذه الكرامة ، فدخلنا ، جميع المذنبين ، في شفاعته ، والله ينفعنا بدعاء المخلصين من عباده ولا تجعلنا ممن شقي بدعائه ، إنه منعم كبير.
ذكر ما خص الله تعالى به مكة
من الخيرات والبركات
هذه البلدة المباركة سبقت لها ولأهلها الدعوة الخليلية الإبراهيمية ، وذلك أن الله عز وجل يقول حاكيا عن خليله ، صلى الله عليه وسلم : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)(١) ، وقال عز وجل : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ)(٢). فبرهان ذلك فيها ظاهر متصل إلى يوم القيامة ، وذلك أن أفئدة الناس تهوي إليها من الأصقاع النائية والأقطار الشاحطة (٣). فالطريق إليها ملتقى الصادر والوارد ممن بلغته الدعوة المباركة. والثمرات تجبى إليها من كل مكان ، فهي أكثر البلاد نعما وفواكه ومنافع ومرافق ومتاجر.
__________________
(١) سورة إبراهيم : الآية ٣٧.
(٢) سورة القصص : الآية ٥٧.
(٣) الشاحطة : النائية ، البعيدة.