الحجر الأسود ، وفي أعلاه رباط مبارك فيه مسجد وعليه سطح مشرف على البلدة الطيبة ، ومنه يظهر حسنها وحسن الحرم واتساعه ، وجمال الكعبة المقدسة القائمة وسطه. وقرأت في أخبار مكة.
لأبي الوليد الأزرقي أنه أول جبل خلقه الله عز وجل ، وفيه استودع الحجر زمن الطوفان. وكانت قريش تسميه الأمين ، لأنه أدى الحجر إلى إبراهيم ، صلى الله عليه وسلم ، وفيه قبر آدم ، صلوات الله عليه. وهو أحد أخشبي مكة ، والأخشب الثاني الجبل المتصل بقعيقعان في الجهة الغربية. صعدنا جبل أبي قبيس المذكور وصلينا في المسجد المبارك. وفيه موضع موقف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عند انشقاق القمر له بقدرة الله عز وجل. وناهيك بهذه الفضيلة والبركة! والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء حتى الجمادات من مخلوقاته ، لا إله سواه.
وفي أعلاه آثار بناء جص مشيد ، كان اتخذه معقلا أمير البلد عيسى أبو مكثر المذكور ، فهدمه عليه أمير الحاج العراقي لمخالفة صدرت عنه ، فغادره خرابا. وألفيت منقوشا على سارية خارج باب الصفا تقابل السارية الواحدة من اللتين أقيمتا علما لطريق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الصفا داخل الحرم ، المتقدمتي الذكر : «أمر عبد الله محمد المهدي ، أمير المؤمنين ، أصلحه الله تعالى ، بتوسعة المسجد الحرام مما يلي باب الصفا ، لتكون الكعبة في وسط المسجد ، في سنة سبع وستين ومائة». فدل ذلك المكتوب على أن الكعبة المقدسة في وسط المسجد ، وكان يظن بها الانحراف إلى جهة باب الصفا ، فاختبرنا جوانبها المباركة بالكيل ، فوجدنا الأمر صحيحا حسبما تضمّنه رسم السارية. وتحت ذلك النقش في أسفل السارية منقوش أيضا : «أمر عبد الله محمد المهدي ، أمير المؤمنين ، أصلحه الله ، بتوسعة الباب الأوسط ، الذي بين هاتين الأسطوانتين ، وهو طريق رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الصفا».
وفي أعلى السارية التي تليها منقوش أيضا : «أمر عبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين ، أصلحه الله ، بصرف الوادي إلى مجراه على عهد أبيه إبراهيم ، صلى الله عليه وسلم ، وتوسعته بالرحاب التي حول المسجد الحرام لحاج بيت الله وعمّاره». وتحتها أيضا منقوش ما تحت الأول من ذكر توسعة الباب الأوسط.