طريقه بين الاسطوانتين اللتين أمر المهدي ، رحمه الله ، بإقامتهما علما لطريق رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الصفا ، حسبما تقدم ذكره. وبين الركن اليماني ست وأربعون خطوة ، ومنهما إلى باب الصفا ثلاثون خطوة. ومن باب الصفا إلى الصفا ست وسبعون خطوة. وللصفا أربعة عشر درجا ، وهو على ثلاثة أقواس مشرفة ، والدرجة العليا متسعة كأنها مصطبة ، وقد أحدقت به الديار ، وفي سعته سبع عشرة خطوة.
وبين الصفا والميل الأخضر ما يأتي ذكره. والميل سارية خضراء ، وهي خضرة صباغية. وهي التي إلى ركن الصومعة التي على الرّكن الشرقي من الحرم على قارعة المسيل إلى المروة وعن يسار الساعي إليها. ومنها يرمل في السعي إلى الميلين الأخضرين ، وهما أيضا ساريتان خضراوان على الصفة المذكورة ، الواحدة منها بإزاء باب علي في جدار الحرم وعن يسار الخارج من الباب ، والميل الآخر يقابله في جدار دار تتصل بدار الأمير مكثر. وعلى كل واحدة منهما لوح ، قد وضع على رأس السارية كالتاج ، ألفيت فيه منقوشا برسم مذهب : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(١) الآية. وبعدها «أمر بعمارة هذا الميل عبد الله وخليفته (٢) أبو محمد المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، أعز الله نصره ، في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة». وبين الصفا والميل الأول ثلاث وتسعون خطوة ، وهي مسافة الرمل جائيا وذاهبا من الميل إلى الميلين. ثم من الميلين إلى الميل ومن الميلين إلى المروة ثلاثمائة وخمس وعشرون خطوة. فجميع خطا الساعي من الصفا إلى المروة أربعمائة خطوة وثلاث وتسعون خطوة.
وأدراج المروة خمسة ، وهي بقوس واحد كبير ، وسعتها سعة الصفا سبع عشرة خطوة. وما بين الصفا والمروة مسيل هو اليوم سوق حفيلة بجميع الفواكه وغيرها من الحبوب وسائر المبيعات الطعامية ، والساعون لا يكادون يخلصون من كثرة الزحام ، وحوانيت الباعة يمينا وشمالا ، وما للبلدة سوق منتظمة سواها إلا البزازين والعطارين ، فهم عند باب بني شيبة تحت السوق المذكورة وبمقربة تكاد تتصل بها.
ويطل على الحرم الشريف جبل أبي قبيس ، وهو في الجهة الشرقية ، يقابل ركن
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ١٥٨.
(٢) هكذا وردت في النص ، والصحيح : خليفة رسوله (ص)