قبل نصف الليل فوصلنا بدرا وقد ارتفع النهار. وهي قرية فيها حدائق نخل متصلة ، وبها حصن في ربوة مرتفعة ، ويدخل إليها على بطن واد بين جبال. وببدر عين فوارة ، وموضع القليب (١) الذي كان بإزائه الواقعة الإسلامية التي أعزت الدين وأذلت المشركين ، هو اليوم نخيل ، وموضع الشهداء خلفه ، وجبل الرحمة الذي نزلت فيه الملائكة عن يسار الداخل منها إلى الصفراء ، وبإزائه جبل الطبول ، وهو شبيه كثيب رمل ممتد. وهذه التسمية لإشاعة لهج بها أكثر المسلمين ، وذلك أنهم يزعمون أن أصوات الطبول تسمع بها كل يوم جمعة ، كأنها آثار إنذارات باقية بما سلف من النصر النبوي في ذلك الموضع ، والله أعلم بغيبه.
وموضع عريش النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يتصل بسفح جبل الطبول المذكور ، وموضع الوقيعة أمامه. وعند نخيل القليب مسجد ، يقال : أنه مبرك ناقة النبي ، صلى الله عليه وسلم. وصح عندنا ، على زعم أحد الأعراب الساكنين ببدر ، أنهم يسمعون أصوات الطبول بالجبل المذكور ، لكن عين لذلك كل يوم اثنين ويوم خميس. فعجبنا من زعمه كل العجب ولا يعلم حقيقة ذلك إلا الله تعالى. وبين بدر والصفراء بريد ، والطريق إليها في واد بين جبال تتصل بها حدائق النخيل ، والعيون فيها كثيرة : منها حصنان يعرفان بالتوأمين ، وحصن يعرف بالحسنية ، وآخر يعرف بالجديد ، إلى حصون كثيرة ، وقرى متصلة.
شهر محرم سنة ثمانين وخمس مائة
عرفنا الله بركته وبركة سنته
استهل هلاله ليلة السبت بموافقة الرابع عشر لشهر أبريل ونحن مقلعون من بدر إلى الصفراء ، فبتنا باستهلاله بهذه البقعة الكريمة : بدر ، حيث نصر الله المسلمين وقهر المشركين ، والحمد لله على ذلك. وكان نزولنا بالصفراء إثر صلاة العشاء الآخرة. فأصبحنا يوم السبت ، مستهل الهلال المذكور ، مقيمين مريحين بها ، ليتزود الناس منها
__________________
(١) القليب : البئر ، وهو هنا اسم ذلك الموضع الحافل بالنخيل.