أنها إذا حطت رحالها ، ونزلت منزلها ، ثم ضرب الأمير طبله للإنذار بالرحيل ، ويسمونه الكوس ، لم يكن بين استقلال الرواحل بأوقارها ورحالها وركابها إلا كلا ولا. فلا يكاد يفرغ الناقر من الضربة الثالثة إلا والركائب قد أخذت سبيلها. كل ذلك من قوة الاستعداد ، وشدة الاستظهار على الأسفار ، والحول والقوة لله وحده ، لا إله سواه.
وإسراؤها بالليل بمشاعيل موقدة يمسكها الرجالة بأيديهم ، فلا تبصر قشاوة من القشاوات إلا وأمامها مشعل. فالناس يسيرون منها بين كواكب سيارة توضح غسق الظلماء ، وتباهي بها الأرض أنجم السماء. والمرافق الصناعية وغيرها من المصالح الدينية والمنافع الحيوانية كلها موجودة بهذه المحلة غير معدومة ، ووصفها يطول ، والأخبار عنها لا تنحصر.
فلما كان ظهر يوم الاثنين إثر الصلاة ، أقلعنا من خليص مرتحلين ، وتمادى سيرنا إلى العشاء الآخرة ، ثم نزلنا ونمنا نومة خفيفة. ثم ضرب الكوس ، فأقلعنا وأسرينا إلى ضحى من النهار. ثم نزلنا مريحين إلى أول الظهر من يوم الثلاثاء. ثم أقلعنا من منزلنا ذلك إلى واد يعرف بوادي السمك ، اسم يكاد يكون واقعا على غير مسمى فنزلناه مع العشاء الآخرة ، وأصبحنا به مقيمين يوم الأربعاء لتجديد حمل الماء ، وهو بهذا الوادي في مستنقعات ، وربما حفر عليه في الرمل. فأقلعنا منه أول ظهر يوم الأربعاء المذكور ، ثم أجزنا مع الليل عقبة.
محجرة كؤودا ، ذهب فيها من الجمال كثير. ونزلنا في بسيط من الأرض ، ونمنا إلى نصف الليل ، ثم رحلنا في مهمه أفيح بسيط ممتد مد البصر ، ورملة منثالة ، فمشت الجمال فيها دون
مقطرة لانفساح طريقها.
ثم نزلنا مريحين قائلين يوم الخميس التاسع والعشرين من ذي الحجة ، وبيننا وبين بدر مقدار مرحلتين ، فلما كان أول الظهر رحلنا إلى مقربة من بدر فنزلنا بائتين. ثم قمنا