والذخائر الهندية المجلوبة كلها واصلة إلى يديه ، فاكتسب سحتا (١) عظيما ، وحصل على كنوز قارونية ، لكن حوادث الأيام قد ابتدأت بالخسف به ، ولا يدري حال أمره مع صلاح الدين لم يكون ، والدنيا مفنية محبيها ، واكلة بنيها ، وثواب الله خير ذخيرة ، وطاعته أشرف غنيمة ، لا إله سواه.
وبقيت الشهادة مضطربة في أمر هذا الهلال المبارك الميمون ، إلى أن تواصلت الأخبار برؤيته ليلة الخميس الذي يوافق الخامس عشر من مارس ، شهد بذلك ثقات من أهل الزهد والورع يمنيّون وسواهم من الواصلين من المدينة المكرمة. لكن بقي القاضي على ثباته وتوقفه في القبول ، وإرجاء الأمر إلى وصول المبشر المعلم بوصول الأمير العراقي ، ليتعرف من قبله ما عند أمير الحاج في ذلك.
فلما كان يوم الأربعاء السابع من الشهر المذكور وصل المبشر ، وكانت نفوس أهل مكة قد أوجست خيفة لبطئه حذرا من حقد الخليفة على أميرهم مكثر ، لمذموم فعل صدر عنه. فكان وصول هذا البشير أمانا وتسكينا للنفوس الشاردة ، فوصل مبشرا ومؤنسا ، وأعلم برؤية الهلال ليلة الخميس المذكور. وتواترت الأنباء بذلك ، فصح الأمر عند القاضي بذلك صحة أوجبت خطبته في ذلك اليوم ، على ما جرت به العادة في اليوم السابع من ذي الحجة إثر صلاة الظهر ، علم الناس فيها مناسكهم. ثم أعلمهم أن غدهم هو يوم الصعود إلى منى ، وهو يوم التروية ، وأن وقفتهم يوم الجمعة ، وأن الأثر الكريم فيها عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، بأنها تعدل سبعين وقفة ، ففضل هذه الوقفة في الأعوام كفضل يوم الجمعة على سائر الأيام.
الأمان في عرفات
فلما كان يوم الخميس بكر الناس بالصعود إلى منى وتمادوا منها إلى عرفات. وكانت السنة المبيت بها ، لكن ترك الناس ذلك اضطرارا بسبب خوف بني شعبة المغيرين على
__________________
(١) السحت : المال المكتسب بالغش والحرام.