المحلات للحاج ما حرم عليه سوى النساء والطيب ، فتلك تكملة تسع وأربعين جمرة. وفي إثر ذلك ينفصل الحاج إلى مكة من ذلك اليوم. واختصر في هذا الزمان إحدى وعشرون ، كانت ترمى في اليوم الرابع على الترتيب المذكور ، وذلك لاستعجال الحاج خوفا من العرب الشعبيين ، إلى غير ذلك من محذورات الفتن المغيرات لآثار السنن. فمضى العمل اليوم على تسع وأربعين حصاة ، وكانت في القديم سبعين ، والله يهب القبول لعباده.
والصادر من عرفات إلى منى أول ما يلقي الجمرة الأولى ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة. وفي يوم النحر تكون جمرة العقبة أولى منفردة بسبع حصيات ، حسبما تقدم ذكره. ولا يشترك معها سواها في ذلك اليوم ، ثم في اليومين بعده ترجع الآخرة ، على الترتيب حسبما وصفناه ، بحول الله عز وجل.
وبعد الجمرة الأولى يعرج عن الطريق يسيرا ويلقى منحر الذبيح ، صلى الله عليه وسلم ، حيث فدي بالذبح العظيم. وعلى الموضع المبارك مسجد مبني ، وهو بمقربة من سفح ثبير. وفي موضع المنحر المذكور حجر قد ألصق بالجدار المبني ، فيه أثر قدم صغيرة ، يقال : إنه أثر قدم الذبيح ، صلى الله عليه وسلم ، عند تحركه ، فلان الحجر له بقدرة الله ، عز وجل ، إشفاقا وحنانا ، فيتبرك الناس بلمسه وتقبيله.
ويفضى من ذلك إلى مسجد الخيف المبارك ، وهو آخر منى في توجهك ، أعني من المعمورة منها بالبنيان. وأما الآثار القديمة فآخذة إلى أبعد غاية أمام المسجد. وهذا المسجد المبارك متسع الساحة كأكبر ما يكون من الجوامع. والصومعة وسط رحبة المسجد. وله في القبلة أربع بلاطات يشملها سقف واحد. وهو من المساجد الشهيرة بركة وشرف بقعة. وكفى بما ورد في الأثر الكريم من أن بقعته الطاهرة مدفن كثير من الأنبياء ، صلوات الله عليهم.
وبمقربة منه عن يمين المار في الطرق ، حجر كبير مسند إلى صفح الجبل مرتفع عن الأرض يظل ما تحته ، ذكر أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قعد تحته مستظلا ومس رأسه المكرم فيه فلان له حتى أثر فيه تأثيرا بقدر دور الرأس. فيبادر الناس لوضع رؤوسهم في ذلك الموضع تبركا واستجارة لها بموضع مسه الرأس المكرّم أن لا تمسها النار بقدرة الله ، عز وجل. فلما قضينا معاينة هذه المشاهد الكريمة أخذنا في الانصراف مستبشرين بما وهبنا