الأول وسواه ، رضي الله عن جميعهم ، وحشرنا في زمرتهم ، ونفعنا بمحبتهم. فالمرء ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، مع من أحب.
مناسك الحج
وفي يوم السبت التاسع عشر منه ، والثالث لفبرير ، صعدنا إلى منى لمشاهدة المناسك المعظمة بها ولمعاينة منزل اكتري لنا فيها ، إعدادا لمقام بها أيام التشريق ، إن شاء الله ، فألفيناها تملأ النفوس بهجة وانشراحا ، مدينة عظيمة الآثار ، واسعة الاختطاط ، عتيقة الوضع ، قد درست منازل يسيرة متخذة للنزول تحف بجانبي طريق كأنه ميدان انبساطا وانفساحا ، ممتد الطول. فأول ما يلقى المتوجه إليها عن يساره ، وبمقربة منها ، مسجد البيعة المباركة ، التي كانت أول بيعة في الإسلام ، عقدها العباس ، رضي الله عنه ، للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، على الأنصار ، حسب المشهور من ذلك. ثم يفضى منه إلى جمرة العقبة ، وهي أول منى للمتوجه من مكة وعن يسار المار إليها. وهي على قارعة الطريق ، مرتفعة للمتراكم فيها من حصى الجمرات. ولو لا آيات الله البينات فيها لكانت كالجبال الرواسي ، لما يجتمع فيها على تعاقب الدهور وتوالي الأزمنة. لكن لله ، عزّ وجل ، فيها سر كريم من أسراره الخفيات ، لا إله سواه. وعليها مسجد مبارك ، وبها علم منصوب شبه أعلام الحرم التي ذكرناها ، فيجعلها الرامي عن يمينه مستقبلا مكة ، شرفها الله ، ويرمي بها سبع حصيات. وذلك يوم النحر إثر طلوع الشمس ، ثم ينحر أو يذبح ويحلق. والمحلق حولها ، والمنحر في كل موضع من منى ، لأن منى كلها منحر ، كما قال ، صلى الله عليه وسلم. وقد حل له كل شيء إلا النساء والطيب حتى يطوف طواف الإفاضة. وبعد هذه الجمرة العقبية موضع الجمرة الوسطى ، ولها أيضا علم منصوب ، وبينهما قدر الغلوة ، ثم بعدها يلقي الجمرة الأولى ومسافتها منها كمسافة الأخرى.
وفي وقت الزوال من ثاني يوم النحر ، ترمى في الأولى سبع حصيات ، وفي الوسطى كذلك ، وفي العقبة كذلك ، فتلك إحدى وعشرون حصاة. وفي اليوم الثالث من يوم النحر ، في الوقت بعينه ، كذلك على الترتيب المذكور ، فتلك اثنتان وأربعون حصاة في اليومين ، وسبع رميت في العقبة يوم النحر ، وقت طلوع الشمس ، كما ذكرناه. وهي