صبا أو لداسته
الأقدام حتى تذيبه ، نعوذ بالله من غلبات العوام ، واعتدائها وركوبها جوامح
أهوائها.
ليلة النصف من شعبان
وهذه الليلة
المباركة ، أعني ليلة النصف من شعبان ، عند أهل مكة معظمه للأثر الكريم الوارد
فيها ، يبادرون فيها إلى أعمال البر من العمرة والطواف والصلاة أفرادا وجماعة ،
فينقسمون في ذلك أقساما مباركة ، فشاهدنا ليلة السبت ، التي هي ليلة النصف حقيقة ،
احتفالا عظيما في الحرم المقدس إثر صلاة العتمة ، جعل الناس يصلون فيها جماعات
جماعات ، تراويح يقرأون فيها فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، عشر مرات في كل ركعة
، إلى أن يكملوا خمسين تسليمة بمئة ركعة ، قد قدمت كل جماعة إماما ، وبسطت الحصر
وأوقدت الشمع وأشعلت المشاعل وأسرجت المصابيح ، ومصباح السماء الأزهر الأقمر قد
أفاض نوره على الأرض وبسط شعاعه. فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف الذي هو نور
بذاته ، فيا لك مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم! فأقام الناس تلك
الليلة على أقسام : فطائفة التزمت تلك التراويح مع الجماعة وكانت سبع جماعات أو
ثمانيا ، وطائفة التزمت الحجر المبارك للصلاة على انفراد ، وطائفة خرجت للاعتمار
وطائفة آثرت الطواف على هذا كله ، أغلبها المالكية ، فكانت من الليالي الشهيرة
المأمولة أن تكون من غرر القربات ومحاسنها ، نفع الله به ولا أخلى من بركتها
وفضلها ، وأوصل هذه المثابة المقدسة كل شيق إليها بمنه.
وفي تلك الليلة
المباركة شاهد أحمد بن حسان منا أمرا عجيبا ، هو من غرائب الأحاديث المأثورات في
رقة النفوس. وذلك أنه أصابه النوم عند الثلث الباقي من الليل ، فأوى إلى المصطبة
التي تحف بها قبة زمزم مما يقابل الحجر الأسود وباب البيت ، فاستلقى فيها لينام
فإذا بإنسان من العجم قد جلس على المصطبة بإزائه مما يلي رأسه. فجعل يقرأ بتشويق
وترقيق ، ويتبع ذلك بزفير وشهيق ، أحسن قراءة وأوقعها في النفوس وأشدها تحريكا
للساكن ، فامتنع المذكور من المنام استمتاعا بحسن ذلك المسموع وما فيه من التشويق
والتخشيع ، إلى أن قطع القراءة وجعل يقول :