إن كان سوء الفعال أبعدني |
|
فحسن ظني إليك قرّبني |
ويردد ذلك بلحن يتصدع له الجماد وينشق عليه الفؤاد. ومضى في ترديد ذلك البيت ودموعه تكف وصوته يرق ويضعف إلى أن وقع في نفس أحمد بن حسان المذكور أنه سيغشى عليه ؛ فما كان بين اعتراض هذا الخاطر بنفسه وبين وقوع الرجل مغشيا عليه من المصطبة إلى الأرض إلا كلا ولا ، وبقي ملقى كأنه لقى لا حراك به. فقام ابن حسان مذعورا لهول ما عاينه ، مترددا في حياة الرجل أو موته لشدة تلك الوجبة ، والموضع من الأرض بائن الارتفاع ، وقام أحد من كان بإزائه نائما ، وأقاما متحيرين ولم يقدما على تحريك الرجل ولا على الدنو منه ، إلى أن أجازت امرأة أعجمية ، وقالت : هكذا تتركون هذا الرجل على مثل هذا الحال؟ وبادرت إلى شيء من ماء فنضحت به وجهه. ودنا المذكوران منه وأقاماه ، فعند ما أبصرهما زوى وجهه للحين عنهما ، مخافة أن تثبت له صفة في أعينهما ، وقام من فوره آخذا إلى جهة باب بني شيبة. وبقيا متعجبين مما شاهداه ، وعض ابن حسان بنان الأسف على ما فاته من بركة دعائه ، إذ لم يمكنه الحال استدعاءه منه ، وعلى أنه لم تثبت له صورة في نفسه ، فكان يتبرك به متى لقيه.
ومقامات هؤلاء الأعاجم ، في رقة الأنفس وتأثرها وسرعة انفعالها وشدة مجاهداتها في العبادات وطول مثابراتها على أفعال البر وظهور بركاتها ، مقامات عجيبة شريفة ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. وفي سحر يوم الخميس الثالث عشر (١) من الشهر المذكور كسف القمر وانتهى الكسوف منه إلى مقدار ثلثيه ، وغاب مكسوفا عند طلوع الشمس ، والله يلهمنا الاعتبار بآياته.
شهر رمضان المعظم
عرفنا الله بركته
استهل هلاله ليلة الاثنين التاسع عشر لدجنبر ، عرّفنا الله فضله وحقه ورزقنا القبول فيه. وكان صيام أهل مكة له يوم الأحد بدعوى في رؤية الهلال لم تصح ، لكن
__________________
(١) الكسوف لا يحدث قبل اليوم الرابع عشر ، ويبدو واضحا أن في تقدير التاريخ خطأ.