وفي تلك الليلة
ملئ المسجد الحرام كله سرجا فتلألأ نورا. وعند ثبوت رؤية الهلال عند الأمير ، أمر
بضرب الطبول والدبادب والبوقات ، إشعارا بأنها ليلة الموسم. فلما كانت صبيحة
ليلة الخميس ، خرج إلى العمرة في احتفال لم يسمع بمثله ، انحشد له أهل مكة على
بكرة أبيهم ، فخرجوا على مراتبهم قبيلة قبيلة وحارة حارة ، شاكين في الأسلحة
فرسانا ورجالة ، فاجتمع منهم عدد لا يحصى كثرة ، يتعجب المعاين لهم لوفور عددهم ،
فلو أنهم من بلاد جمة لكانوا عجبا ، فكيف وهم من بلد واحد؟ وهذا أدل الدلائل على
بركة البلد. فكانوا يخرجون على ترتيب عجيب ، فالفرسان منهم يخرجون بخيلهم يلعبون
بالأسلحة عليها ، والرجالة يتواثبون ويتثاقفون بالأسلحة في أيديهم حرابا وسيوفا
وحجفا وهم يظهرون التطاعن بعضهم لبعض والتضارب بالسيوف والمدافعة بالحجف التي
يستجنون بها. وأظهروا من الحذق بالثقاف كل أمر مستغرب. وكانوا يرمون بالحراب إلى الهواء ،
ويبادرون إليها لقفا بأيديهم ، وهي قد تصوبت أسنتها على رؤوسهم ، وهم في زحام لا
يمكن فيه المجال. وربما رمى بعضهم بالسيوف في الهواء ، فيستلقونها قبضا على
قوائمها ، كأنها لم تفارق أيديهم. إلى أن خرج الأمير يزحف بين قواده ، وأبناؤه
أمامه ، وقد قاربوا من الشباب. والرايات تخفق أمامه ، والطبول والدبادب بين يديه ،
والسكينة تفيض عليه. وقد امتلأت الجبال والطرق والثنيات بالنظارة من جميع المجاورين.
فلما انتهى
الميقات وقضى غرضه أخذ في الرجوع ، وقد ترتب العسكران بين يديه على لعبهم ومرحهم ،
والرجالة على الصفة المذكورة من التجاول. وقد ركب جملة من أعراب البوادي نجبا صهبا
لم ير أجمل منظرا منها ، وركابها يسابقون الخيل بها ، بين يدي الأمير ،
رافعين أصواتهم بالدعاء له والثناء عليه ، إلى أن وصل المسجد الحرام ،
__________________