قوله : «وقد استعملت «دنيا» بغير ألف ولام» كما ذكر ، وهو ظاهر «وقول الأعشى (١)
ولست با لأكثر منهم حصى |
وإنّما العزّة للكاثر». |
يعني أنّهم لا يجمعون بين الألف واللّام وبين «من» المذكورة للتفضيل على ما تقدّم ، فلا بدّ من تأويل منهم في قوله :
ولست بالأكثر منهم حصى
وتأويلها أنّها مثلها في قولك : «أنت من بني فلان الشّجاع» ، ومثل هذه يجوز أن يجتمع مع أفعل الذي فيه الألف واللّام ، لأنّك تقول : «أنت الأفضل من قريش» كما تقول : «أنت من قريش الأفضل» ، لا على أنّك فضّلت على قريش ، ويكون المفضّل عليه معلوما من اللّام الذي (٢) للعهد على حسب ما بين المخاطبين ، وقد يكون هو المذكور بعد «من» وقد يكون غيره ، لأنّك قد تقول لمخاطبك : «هذا أفضل من تميم» ، فالمفضّل عليه تميم ، ثمّ تقول له بعد ذلك : «ذاك الأفضل من تميم» ، فلست تعني ههنا إلّا تلك الأفضليّة ، وبيّنت له أيضا أنّه من تميم ، فهذا المذكور بعد «من» هو المفضّل عليه في المعنى ، ولكنّك لم تفضّل عليه ب «من» ، وإنّما عرف ذلك بما تقدّم ، وذكرت «من» للتبيين ، وقد تقول لمخاطبك : «هذا أفضل من عمرو» ، ثمّ تقول له : «ذاك الأفضل من تميم» ، فهنا لست تعني بالأفضليّة إلّا الأفضليّة على عمرو لأنّه المعهود (٣) وذكرت «من قريش» على ما تقدّم للبيان (٤)
فهذا وجه «من» في هذه المواضع وأشباهها ، ولا يبالى ـ باتفاق ـ ذكر المفضّل (٥) عليه بعدها ، وإنّما المفسد (٦) هو أن يكون الإتيان بها لغرض دلالة التفضيل على ما بعدها ، فأمّا وقوع ذلك اتّفاقا والمراد بها التبيين فلا يضرّ.
__________________
(١) جاء بعدها في د : «يخاطب علقمة بن علاثة». والبيت في ديوان الأعشى : ١٤٣ ، والخصائص : ١ / ١٨٥ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ١٠٣ ، والخزانة : ٣ / ٤٨٩ ، وورد بلا نسبة في الخصائص : ٣ / ٢٣٤ ، والحصا : العدد والمراد به عدد الأنصار ، والعزّة : القوة ، والكاثر : بمعنى الكثير ، الخزانة : ٣ / ٤٩٠.
(٢) سقط من د : «الذي».
(٣) في ط : «ولأنه للمعهود». تحريف.
(٤) انظر توجيه ذكر «من» في البيت السابق في الخصائص : ٣ / ٢٤٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ١٠٤
(٥) سقط من ط من قوله : «تقدم للبيان» إلى «المفضل». خطأ.
(٦) في ط : «المفيد». تحريف.