يقصده المتكلّم ، ثمّ يميّز على ما ذكر ، وصحّة التعجّب منه تبطل تعليل من قال : إنّما لم يتعجّب منها لأنّها ثابتة كالأجسام.
فإن قال : لم يتعجّب منها ، وإنّما تعجّب من معنى أفعل المذكور معها ، قيل : قد علم أنّ المقصود في التعجّب ليس إلّا لها ، وتعليلك إنّما كان من جهة المعنى لا من جهة اللّفظ ، ونحن على علم أنّ معنى قولك : «ما أشدّ حمرته» في أنّ التعجّب من الحمرة بمعنى قولك : «ما أحمره» لو جاز ، كما أنّ قولك : «ما أكثر فضله» و «ما أفضله» بمعنى واحد ، دلّ على أنّ التعجّب إنّما كان ممّا وقع بعد أشدّ وشبهه ، ولذلك يقول النحويّون : فإن أردت التعجّب من شيء من ذلك توصّلت إليه بأشدّ وشبهه ، فهذا تصريح بأنّه يتعجّب منه من حيث المعنى.
قوله (١) : «والقياس أن يفضّل على الفاعل دون المفعول».
لأنّهم لو فضّلوا على المفعول دون الفاعل لبقي كثير من الأفعال لا / يتعجّب منها ، وغرضهم التعميم ، ولو فضّلوا عليهما جميعا لأدّى إلى اللّبس ، فلم يبق إلّا التعجّب من الفاعل ، ولأنّ الفاعل هو المقصود بالنسبة إليه (٢) في المعنى ، والمفعول فضلة في الكلام ، فكان ما هو المقصود أولى ، وهذا معنى قول سيبويه : «وهم ببيانه أعنى» (٣) ، يعني أنّهم يعتنون بالفاعل دون المفعول ، حتى لا يذكرون فعلا إلّا ويذكرون له فاعلا أو ما يقوم مقامه حرصا على بيان الفاعل عندهم ، فلمّا تعجّبوا كان الأولى عندهم أن يجعل التعجّب له لذلك.
قوله : «وتعتوره حالتان متضادّتان» إلى آخره.
أمّا لزوم التنكير عند مصاحبته «من» ففصيح (٤) ، وعلّته أنّهم لو عرّفوا لم يخل من أن يعرّفوا بالألف واللّام أو بالإضافة ، وكلاهما متعذّر [مع «من»](٥) ، أمّا الإضافة فواضحة لأنّهم إنّما يضيفونه إلى ما هو مفضّل عليه ، وإنّما يذكرون «من» ليبيّنوا بعدها المفضّل عليه ، فكان الجمع
__________________
(١) تجاوز ابن الحاجب فصلين من المفصل : ٢٣٢ ـ ٢٣٣.
(٢) سقط من ط : «إليه».
(٣) الكتاب : ١ / ٣٤.
(٤) في ط : «فصحيح».
(٥) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.