أفعل التفضيل
قال : صاحب الكتاب : «قياسه أن يصاغ من ثلاثيّ غير مزيد فيه ممّا ليس بلون ولا عيب» إلى آخره.
قال الشيخ : إنّما لم يصغ من المزيد فيه على الثلاثة لأنّه إن بقي على حروفه لم يمكن ، وإن حذف اختلّ ، فكره / لذلك ، وأمّا اللّون والعيب فقد اختلف في تعليله ، فقال قوم : لأنّه في الأصل أفعاله زائدة على ثلاثة ، فإذا أورد عليهم أدم (١) وشهب (٢) وسمر وسود وعور أجابوا بأنّ أصله افعلّ وافعالّ ، ولذلك صحّت واو سود وعور لأنّها في موضع يجب فيه تصحيحها في التقدير (٣).
ومنهم من قال : إنّما لم يتعجّب من اللّون والعيب لأنّها خلق ثابتة في العادة ، وإنّما يتعجّب ممّا يقبل الزيادة والنّقصان ، فجرت لذلك مجرى الأجسام الثابتة على حال واحدة (٤).
والحقّ أنّه إنّما لم يتعجّب منه لأنّه يبنى منهما أفعل لغير التفضيل ، فكرهوا أن يبنوا منهما أفعل التفضيل فيلتبس (٥) ، ولذلك فرّقوا بينهما في جمع التصحيح والتكسير ، فجمعوا كلّ واحد بجمع لم يجمع عليه الآخر ، وممّا يدلّ على ذلك أنّهم تعجّبوا من العيب إذا لم يكن له أفعل لغير التفضيل ، كقولك : «زيد أجهل من عمرو» ، ولم يتعجّبوا ممّا ليس بلون ولا عيب إذا كان له أفعل لغير التفضيل ، كقولك : أقنى (٦) وشبهه من الحلى ، فهذه العلّة هي المستقيمة ، وينبغي أن يضبط بأن يقال : كلّ موضع ليس بلون ولا عيب ممّا لا يبنى منه أفعل لغير التفضيل ، لأنّه قد تبيّن أنّ كونه ليس بلون ولا عيب لا يحصل به الضّبط طردا ولا عكسا لصحّة قولهم : أجهل (٧) وامتناع قولهم ، أقنى ، فإذا قصد إلى التعجّب من هذه الأشياء بني أفعل ممّا يصحّ بناؤه على حسب المعنى الذي
__________________
(١) «أدم : لأم وأصلح». اللسان (أدم).
(٢) «الشّهب والشّهبة : لون بياض يصدعه سواد في خلاله». اللسان (شهب).
(٣) ذكر المبرد هذا القول ولم يعزه ، انظر المقتضب : ٤ / ١٨١ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ٩١ ، وشرح التسهيل لابن مالك : ٣ / ٤٥ ، وشرح الكافية للرضي : ٢ / ٢١٣.
(٤) صاحب هذا القول هو الخليل ، انظر الكتاب : ٤ / ٩٨ ، والمقتضب : ٤ / ١٨٢ وشرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ٩١.
(٥) بمثل هذا علل ابن مالك في شرح التسهيل : ٣ / ٤٥.
(٦) «القنا : ارتفاع في أعلى الأنف واحد يداب في وسطه وسبوغ في طرفه ، يقال : رجل أقنى وامرأة قنواء».
اللسان (قنا).
(٧) في ط : «أجمل». تحريف. وبعدها في ط أيضا : «وأحمق».