بدليل حذف نونه ، و «هما» في قولك : «مصطلاهما» ضمير «جارتا» وهو موصوف «جونتا» ، وهي عين مسألة الخلاف ، فقال المخالفون : ليس الضمير في «مصطلاهما» راجعا إلى «جارتا» فتكون مسألة الخلاف ، بل نجعله عائدا إلى «الأعالي» (١) وهو غير الموصوف ب «جونتا» ، فيكون مثل قولك : «زيد حسن الغلام جميل ثوبه» على أن يكون الضمير في «ثوبه» للغلام ، فيكون التقدير : جميل ثوب الغلام ، ويخرج بذلك عن أن يكون دليلا على مسألة الخلاف.
فأجيب عن ذلك بأنّ «الأعالي» جمع ، والضمير في «مصطلاهما» مثنّى ، فلا يستقيم أن يكون الضمير مثنّى لجمع ، وأيضا فإنّ المعنى على أنّه تغيّر أعلى الحجرين لبعده عن موقد النار ، واسودّ موضع الاصطلاء وعلى ما ذكرتموه يكون اسودّ ولم يسودّ ، وهو غير مستقيم ، وغاية ما يقولونه على الوجه الأوّل أنّه وإن كان بلفظ الجمع فهو في معنى المثنّى ، وعاد الضمير عليه من حيث المعنى (٢) وليس بشيء لأنّه جمع مستقيم أمكن (٣) حمله على ظاهره (٤) فلا حاجة إلى حمله على غيره.
وأمّا إفراد مصطلى فهو لازم على كلّ قول ، ووجهه أن يكون مصطلى إمّا مصدرا على تقدير حذف مضاف ، أي : موضعي اصطلائهما ، وإمّا أن يكون مفردا واقعا موقع التثنية ، كما قال (٥)
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا |
....... |
لمّا كان معلوما أوقع الواحد موقع الجمع ، فوقوعه موقع التثنية أجوز ، والله أعلم.
__________________
(١) من المخالفين المبرد والفارسي ، انظر البغداديات : ٢٠ ـ ٢١ ، وشرح التسهيل لابن مالك : ٣ / ٩٩ ، وشرح الكافية للرضي : ٢ / ٢٠٨ ، وضعف ابن جني هذا القول في الخصائص : ٢ / ٤٢٠
(٢) كذا أجاب الفارسي عن هذه الشبهة. انظر البغداديات : ٢١
(٣) سقط من د : «أمكن» ، وفي ط : «يمكن».
(٤) بعدها في د : «باعتبار الأطراف ، كما قيل : من لانت أسافله صلبت أعاليه».
(٥) تقدّم البيت ورقة : ١٥٦ أمن الأصل.