والثّاني : أنّ التّثنية في الأسماء إلحاق الاسم الزّيادة المعلومة ، ليدلّ على أنّ معه مثله من جنسه ، ولا شكّ أنّ الأعلام وإن تعدّدت مدلولاتها ليست موضوعة لها وضعا واحدا حتّى تكون تثنيتها تدلّ على شيئين من جنس واحد ، [بل الأوّل ليس من جنس الثاني](١) ، ولكنّ العرب لمّا وضعت الاسم المثنّى والمجموع للإيجاز والاختصار كراهة تكرار اللّفظ الواحد مرارا متعدّدة ، ورأوا أنّ العلم أحقّ بذلك لكثرته اغتفروا أمر خروجه بالوجهين المتقدّمين لمّا قصدوا فيه الاختصار المقصود في التّثنية والجمع ، ثمّ التزموا إدخال اللّام فيه تعويضا له عمّا ذهب من العلميّة من مفرديه ، وهذه اللّام / هي لام التّعريف التي للعهد ، وذلك أنّ العلم في الحقيقة موضوع لمعهود ، إلّا أنّه لمّا كان موضوعا له بأصل وضعه لم يحتج إلى زيادة تجعله له ، ولمّا كان نحو «رجل» و «غلام» موضوعا لواحد من أجناسه احتاج عند جعله لمعهود أن يزاد فيه ما يجعله له (٢) ، ولمّا فقدت خصوصيّة الإفراد عند تثنية العلم وبه (٣) كانت دلالته على ذلك المعهود أدخلوا لام العهد باعتبار مفردي العلميّة جميعا (٤) ، ولم يستعملوا العلم بعد تثنيته إلّا كذلك ، لئلّا يؤدّي إلى إخراجه عن وضعه من كلّ وجه ، فهذا معنى مناسب يقتضي لزوم اللّام له ، وعليه جاءت لغتهم ، فالحكم على لغتهم باستعمال العلم مثنّى أو مجموعا نكرة حكم (٥) على لغتهم من غير ثبت ، وذلك غير جائز ، نعم يجوز الإتيان به منكّرا على اللّغة الضّعيفة في الزيد وزيدكم ، فإذا ثنّي زيد بعد تنكيره قيل : زيدان ، وليس الكلام على هذه اللغة ههنا (٦).
وقوله : «إلّا نحو : أبانين» استثناء منقطع ، ألا ترى أنّ «أبانين» ليس تثنية لشيئين كلّ واحد منهما أبان ، كما كان قولك : الزّيدان ، وإنّما هو اسم لجبلين ، أحدهما أبان والآخر متالع ، وضعوا لهما جميعا أبانين ، فهو اسم لفظه لفظ التثنية ، وضع علما لهذين الجبلين (٧) ، كما لو سمّيت رجلين بزيدان من أوّل الأمر ، ولا يستقيم أن يقال : يكون تثنية على تقدير أن يكون اسم الآخر
__________________
(١) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.
(٢) في د : «ما يجعل الرجل لمعهود».
(٣) أي : بالإفراد.
(٤) في الأصل. ط : «باعتبارهما جميعا» ، وما أثبت عن د. وهو أوضح.
(٥) سقط من ط : «حكم» خطأ.
(٦) انظر شرح الكافية للرضي : ٢ / ١٣٦ ، والهمع : ١ / ٧٢ ـ ٧٣.
(٧) قال ياقوت : «أبان تثنية أبان ومتالع غلّب أحدهما .. وهما بنواحي البحرين» معجم البلدان (أبن).