قال أبو إسحاق (١) لو انتصب «سنين» على التمييز لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسعمائة سنة ، ووجهه أنّه قد فهم من لغة العرب أنّ مميّز المائة واحد من مائة ، فإذا قلت : «مائة رجل» فمميّزها رجل ، وهو واحد من المائة ، وإذا كان كذلك وقلت : «مائة سنين» فتكون «السّنين» واحدة من المائة ، وهي ثلاثمائة ، وأقلّ السّنين ثلاث ، فيجب أن يكون تسعمائة.
وهذا يطّرد في «اثنتي عشرة أسباطا» ، ويقال : لو كان تمييزا لكانوا ستّة وثلاثين على هذا النّحو ، لأنّ مميّز اثنتي عشرة واحد من اثنتي عشرة ، فإذا كان (٢) ثلاثة كانت الثلاثة واحدا من اثنتي عشرة ، فتكون ستّة وثلاثين قطعا.
وهذا الذي ذكره (٣) يرد على قراءة حمزة والكسائيّ ، إذ ليس لقراءتهما وجه سوى التمييز ، لأنّهما قرآ بإضافة مائة إلى سنين ، ولا شكّ أنّ قراءة الجماعة أقيس عند النحويّين من قراءتهما.
وما ذكره الزّجّاج غير لازم ، لأنّ ذلك الذي ذكره مخصوص بأن يكون المميّز مفردا ، أمّا إذا كان جمعا فيكون القصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا في (٤) نحو : ثلاثة أثواب ، على أنّا قد قدّمنا أنّ الأصل في الجميع الجمع ، وإنّما عدل إلى المفرد (٥) ، فإذا استعمل الجمع استعمل الأصل (٦) ، [لا](٧) على الوجه الذي ألزمه ، فإنّ ذلك إنّما يكون لو كان المستعمل جمعا استعمل كالمستعمل مفردا ، فأمّا إذا استعمل الجمع على أصله فيما وضع العدد له فلا ، ولسنا نخالف في أنّ الوجه نصب «سنين» على البدل و «أسباطا» أيضا ، لأنّ في جعلهما غير / بدل مخالفة لما تقدّم من القياس ، فالوجه حمله على ذلك ، وإنّما نخالف في أنّ تضعيف العدد على الوجه المذكور لازم لو قصد التمييز ، كما أنّه غير لازم على قراءة حمزة والكسائيّ ، وإن لم يكن لها إلّا التمييز.
__________________
(١) حكى ابن يعيش والرضي مذهب الزجاج ، انظر شرح المفصل لابن يعيش : ٦ / ٢٤ ، وشرح الكافية للرضي : ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ، وانظر معاني القرآن وإعرابه : ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ، وحكى النحاس عن الزجاج أنّ «سنين» في الآية نصب على عطف البيان والتوكيد. انظر إعراب القرآن للنحاس : ٢ / ٤٥٣ ، والتبيان في إعراب القرآن : ٢ / ٨٤٤
(٢) في د : «كانوا».
(٣) أي : الزجاج.
(٤) في د : «من».
(٥) بعدها في ط : «لغرض».
(٦) من قوله : «فيمن قرأ بتنوين مائة» إلى «الأصل» نقله الرضي عن ابن الحاجب بتصرف ، انظر شرح الكافية للرضي : ٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥.
(٧) سقط من الأصل. ط. وأثبته عن د.