والجواب عنه أن يقال : هذا وإن لم يكن علما فليس اللّفظ مقصودا في نفسه ، وإنّما الغرض به معرفة موزونه ، فأجري مجرى موزونه ، وممّا أورده سيبويه : كلّ أفعل إذا كان صفة لا ينصرف ، وقال : قلت له : ـ يعني الخليل ـ كيف تصرفه وقد قلت : لا أصرفه؟ فقال : «أفعل» ههنا ليس بوصف ، وإنّما زعمت أنّ ما كان على هذا المثال وكان وصفا لا ينصرف (١) ، فظنّ بعض النحويّين أنّه لمّا قال الخليل : «إنّه ههنا ليس بصفة فينصرف» أنّ كلّ وزن ليس بصفة ينصرف ، ولم يرد هذا ، وإنّما أراد نفي تخيّل في هذا المحلّ المخصوص ، لأنّه لمّا قال : «كلّ أفعل» لم تتخيّل العلميّة لدخول «كلّ» ، ووزن الفعل متحقّق ، فلا يبقى تخيّل في منع صرفه إلّا بتقدير الصّفة ، فأجاب بنفي هذا التّخيّل لتحقّق صرفه ، فلا يلزم على هذا أن لا يمنع من الصّرف من الأوزان إلّا ما كان صفة ، ولهذا التّخيّل قال المازنيّ في قول سيبويه بعد ذلك «أفعل» وأتى به غير منصرف : أخطأ سيبويه ، ويجب عليه أن يصرفه ، لأنّه غير صفة ، وإلّا نقض عليه في جميع ما قاله (٢) ، قال أبو عليّ الفارسيّ : لم يصنع المازنيّ شيئا ، وأراد به أبو عليّ أنّ المازنيّ تخيّل ذلك التخيّل المتقدّم ذكره (٣).
__________________
(١) نقل ابن الحاجب كلام سيبويه بتصرف ، انظر الكتاب : ٣ / ٢٠٣ ، وانظر المقتضب : ٣ / ٣٨٣ وما ينصرف وما لا ينصرف : ٣٢ ، والخصائص : ٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ وشرح الكافية للرضي : ٢ / ١٣٤.
(٢) نقل ابن الحاجب كلام المازني بتصرف ، انظر كلام السيرافي في حاشية الكتاب : ٣ / ٢٠٤ ، وانظر المقتضب : ٣ / ٣٨٤.
(٣) كذا نسب ابن الحاجب هذا القول إلى الفارسي ، ولكنّ السيرافي نسبه إلى أبي العباس إذ قال : «زعم المازني خطأ سيبويه في ترك صرف هذا ، وقال أبو العباس : لم يصنع المازني شيئا والقول عندي أنه ينصرف» ، حاشية الكتاب : ٣ / ٢٠٤ ، وساق المبرد مذهب المازني وقال : «وقول الخليل وسيبويه أقوى عندنا» ، المقتضب : ٣ / ٣٨٤ ، وانظر شرح الكافية للرضي : ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥.