على ذلك أنّه قد جاء بعض هذه الأسماء معربا ومبنيّا كرويد ، وحكمنا في حال إعرابه كحكمنا على «سقيا» ، وحكمنا في حال بنائه كحكمنا على «ها» (١) وشبهه ، وكذلك «بله» و «فداء» و «أفّة» ونظائرها ، فقد اتّضح لك أنّ (٢) التقدير مختلف ، والمعنيان متقاربان.
ثمّ قال : «هلمّ» وذكر الخلاف في تركيبها ، والذي حمل النحويّين على الحكم بالتركيب في مثل هذه المواضع ، وإن كان الظّاهر أنّه كلمة برأسها أنّهم رأوا العرب حكمت بالتركيب في مثله ، كقولهم (٣) في «إمّا» : إن في قوله (٤)
سقته الرّواعد من صيّف |
وإن من خريف فلن يعدما |
قال سيبويه : هي «إمّا» العاطفة ، فحذفت «ما» وبقيت «إن» (٥) وإذا ثبت أنّ «إمّا» مركّبة مع بعد التركيب عنها صورة فلا بعد في أن يكون «هلمّ» مركّبا ، ويقوّيه ههنا لغة بني تميم في قولهم : هلمّا وهلمّوا لأنّهم لمّا صرّفوه تصرّف الفعل دلّ على أنّه فعل ، ولا يكون فعلا إلّا بالتركيب.
على أنّ مذهب أهل الحجاز يضعّف التركيب ، لأنّه لو كان مركّبا لوجب اللّغة التميميّة ، ولم يكن لكونه اسم فعل معنى (٦) إذ كيف يكون اسم فعل وهو فعل؟ ومذهب بني تميم يقوّي التركيب ، ولكنّه يضعّف كونه اسم فعل للمنافاة الحاصلة بين الفعل واسم الفعل ، وإذا حكمنا بأنّه فعل تعذّر أن نحكم (٧) بأنّه اسم ، فلا بعد أن يكون على مذهب أهل الحجاز اسم فعل غير مركّب ، وعلى مذهب بني تميم فعلا لا اسم فعل ، ويمكن أن يجاب على ذلك بأن يقال : المركّب قد يكون لكلّ واحد من مفرديه معنى عند التفصيل ، ويصير له بالتركيب معنى آخر وحكم ، فلا بعد أن يكون «هلمّ» في الأصل على ما ذكر من التركيب ، ثمّ جعلا جميعا اسم فعل ، فحصلت له أحكام أسماء
__________________
(١) في ط : «ما». تحريف ، حكى أبو عمر أنهم يقولون : ها يا رجل وهذا بمنزلة رويد ، كتاب الشعر : ١١
(٢) في د : «لك من أنّ». مقحمة.
(٣) سقط من ط : «كقولهم».
(٤) هو النمر بن تولب ، والبيت في ديوانه : ١٠٤ والكتاب : ١ / ٢٦٧ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٨ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، والمقاصد للعيني : ٤ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، والخزانة : ٤ / ٤٣٤ ، وورد بلا نسبة في الخصائص : ٢ / ٤٤١ ، والمنصف : ٣ / ١١٥.
والرواعد : جمع راعدة وهي السحابة الماطرة وفيها صوت الرعد ، والصيف : المطر الذي يجيء في الصيف.
(٥) لم يجز سيبويه طرح «ما» من «إمّا» إلّا في الشعر ، انظر الكتاب : ١ / ٢٦٧
(٦) سقط من ط : «معنى» ، وانظر الكتاب : ٣ / ٥٢٩ ، والمقتضب : ٣ / ٢٥
(٧) في د : «الحكم».