وهذه المسألة ونظائرها يجوز فيها أربعة أوجه : نصب الأوّل ورفع الثاني ، وهو أجودها ، وعكسها ، وهو أردأها ، ونصبهما جميعا ، ورفعهما جميعا ، وهما (١) متوسّطان بين الأوّل والثاني.
وإنّما اختير نصب الأوّل ورفع الثاني لأنّا إذا نصبنا فالتقدير : إن كان عمله خيرا ، والمعنى عليه ، وجاز تقدير «كان» لأنّه فعل دلّ عليه سياق الكلام ، فكان حذفه جائزا.
وضعف الرفع لأنّك إذا رفعت فلا بدّ من تقدير رافع ، ولا يقدّر إلّا «كان» لكون المعنى عليه ، فإمّا أن تقدّرها تامّة أو ناقصة ، فتقديرها تامّة ضعيف ، لأنّ التامّة قليلة في الاستعمال ، وما قلّ استعماله قلّ حذفه ، وما كثر استعماله قوي حذفه ، وأيضا فإنّ تقدير التامّة مخلّ بالمعنى ، لأنّه يصير كأنّه أجنبيّ عن الأوّل ، والمعنى على تعلّقه به ، وذلك إنّما يكون في الناقصة (٢) ، وإن قدّرت التزام الناقصة وجب أن يكون الخبر مقدّرا محذوفا ، ليكون «خير» اسما لها ، ولا يمكن أن يقدّر إلّا مثل قولك : «إن كان في عمله خير» ، أو ما أشبهه ، وهو ضعيف لفظا ومعنى ، أمّا اللّفظ فلكثرة ما نقدّره محذوفا ، وأمّا المعنى فلأنّه يرجع مخصوصا ، وليس المعنى على الخصوص ، وإنّما المعنى فيه على الإطلاق والتعميم.
وإنّما كان رفع الثاني هو الوجه لأنّه إذا ارتفع كان خبر مبتدأ محذوف بعد فاء الجزاء ، والمبتدأ بعد فاء الجزاء جائز حذفه قياسا مستمرّا إذا علم ، وهذا كذلك ، وضعف نصبه لأنّه لا بدّ أن يقدّر له ناصب ، ولا ناصب ينبغي أن يقدّر غير «كان» ، وإذا قدّرت «كان» فإمّا أن يكون التقدير : إن كان عمله خيرا كان جزاؤه خيرا ، كما قدّره سيبويه (٣) ، وهو ضعيف ، لأنّه يلزم منه حذف الفاء الثابتة / في المسألة ، وهو غير مستقيم ، وأيضا فإنّه حذف للفعل على غير قياس ، وحذف المبتدأ المذكور حذف على قياس ، فكان أولى ، وإمّا أن يكون التقدير : إن كان عمله خيرا فيكون جزاؤه خيرا ،
__________________
(١) سقط من د : «وهما» ، خطأ.
(٢) في ط : «إنما يكون الأول في الناقصة» ، مقحمة.
(٣) قال سيبويه بعد أن أورد المثال المذكور : «ومن العرب من يقول : وإن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، كأنه قال : إن كان الذي عمل خيرا جزي خيرا وإن كان شرا جزي شرا .. والرفع أكثر وأحسن في الآخر لأنك إذا أدخلت الفاء في جواب الجزاء استأنفت ما بعدها وحسن أن تقع بعدها الأسماء» الكتاب : ١ / ٢٥٨ ، وانظر الكتاب : ٣ / ١١٣ ، ٣ / ١٤٩ ، وكتاب الشعر : ٥٧ ، وأمالي ابن الشجري : ١ / ٣٤١ ، وشرح التسهيل لابن مالك : ١ / ٣٦٤.