ومثّل (١) أيضا في المعنويّ بليت ولعلّ وكأنّ ، لأنّها ليست بأفعال ، وإنّما هي مشبّهة بها ، فإذا قيّد منصوبها أو مرفوعها بالحال (٢) كان تقييدا (٣) باعتبار معناها الذي أشبهت به الفعل ، فكان معنويّا لذلك ، فإذا قلت : «كأنّ زيدا راكبا الأسد» (٤) ، كان «راكبا» حالا من زيد ، لأنّ المعنى : أشبّه زيدا راكبا بالأسد ، فلمّا كان كذلك صحّ تقييده ، ولو لا هذا المعنى لم يصحّ.
ثمّ حكم بأنّ الفعل وشبهه يجوز تقديم الحال عليه ، وأمّا المعنى فلا يجوز تقديم الحال عليه ، وإنّما تقدّم على الفعل وشبهه لأنّه الأصل في الفاعليّة والمفعوليّة ، وهذا مشبّه به ومحمول عليه ، فلم يقو الفرع قوّة الأصل ، أو لأنّه (٥) عامل متصرّف فتصرّف في معموله ، وهذا غير متصرّف.
وقد اختلف في مثل «زيد في الدار قائما» ، فجوّز بعضهم تقديمه (٦) ، والظّاهر أنّ المجوّزين له يذهبون إلى أنّ العمل لمتعلّق الظّرف ، وهو الاستقرار ، فالتقدير : استقرّ أو مستقرّ ، وإذا كان كذلك فهو معمول لفعل محقّق أو شبه فعل ، فيكون من القسم الأوّل ، والقائلون بالمنع يجعلون العمل للظّرف ، ويجعلون الفعل أو شبهه على التقديرين (٧) نسيا منسيّا ، وصار الظرف هو العامل عندهم في المعنى.
وكلا القولين مستقيم ، والقول الأوّل أرجح من وجهين :
أحدهما : أنّه لم / يثبت مثل «زيد قائما في الدار» في فصيح الكلام ، فدلّ ذلك على أنّه من قبيل المعنى ، إذ لو كان من قبيل ما تقدّم لوقع على كثرته (٨) مقدّما كما في الأوّل.
والثاني : أنّه إذا صار ذلك نسيا منسيّا صار في حكم العدم ، وصارت المعاملة للنّائب عنه ،
__________________
(١) أي الزمخشري ، انظر المفصل : ٦٢.
(٢) في د : «بحال».
(٣) في ط : «مقيدا».
(٤) في الأصل. ط : «كأن زيدا الأسد راكبا» ، وما أثبت عن د.
(٥) في الأصل. ط : «ولأنه». وما أثبت عن د. وهو الأجود.
(٦) أجاز الفراء والأخفش تقديم الحال في مثل هذا بشرط تقدّم المبتدأ على الحال ، وصححه ابن مالك ومنعه سيبويه والمبرد والبصريون ، انظر الكتاب : ٢ / ١٢٤ ، والمقتضب : ٤ / ٣٠٠ ، ٤ / ٣٠٨ ، وشرح التسهيل لابن مالك : ٢ / ٣٤٦ ، وشرح الكافية للرضي : ١ / ٢٠٤ ، وارتشاف الضرب : ٢ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.
(٧) سقط من د : «على التقديرين».
(٨) في ط : «كثيره» ، تحريف.