ثمّ لم يستثن من المؤقّت في كونه يقع ظرفا إلّا قولهم : «ذهبت الشّام» بلا خلاف ، و «دخلت الدّار» باعتبار كلّ مؤقّت ، هذا قول أكثر النحويّين ، وقال بعضهم : بل الدار مفعول به ، والخلاف مبنيّ على أنّ «دخلت» هل هو متعدّ أو غير متعدّ (١) ، فمن قال : هو غير متعدّ حكم بأنّ الدار ظرف ، ومن قال : إنّه متعدّ حكم بأنّ الدار مفعول به ، فمن قال : إنّه غير متعدّ قال : لأنّ ضدّه «خرجت» و «خرجت» غير متعدّ باتّفاق ، فكذلك «دخلت» ، ومن قال : إنّه متعدّ قال : المتعدّي هو الذي لا يعقل إلّا بمتعلّق ، وغير المتعدّي هو الذي يعقل بنفسه من غير متعلّق ، وهذا لا يفهم إلّا بمتعلّق ، لأنّك لو قدّرت انتفاء المدخول إليه عن الذّهن لم يفهم معنى الدّخول ، كما أنّك لو قدّرت انتفاء متعلّق الضّرب عن الذّهن لم يفهم معنى الضرب ، بخلاف القيام ، فإنّك لو قدّرت انتفاء الموضع عن الذهن لفهمت معنى القيام ، فليس الموضع باعتبار القيام كالموضع باعتبار الدّخول عند هؤلاء ، إذ يعقل (٢) معنى القيام مع الذّهول عن الموضع ، ولم يعقل الدّخول مع الذّهول عن الموضع ، فدلّ على أنّه متعدّ.
ثمّ قال : «ومنها ما يستعمل اسما وظرفا ، وهو ما جاز أن تعتقب عليه العوامل ـ كما ذكر (٣) ـ ومنها ما لا يستعمل إلّا ظرفا ، ولا يعرف إلّا بسماع» (٤).
ووجه الحكم عليه بأنّه لا يستعمل إلّا ظرفا هو أنّه كثر في استعمالهم ولم يجئ إلّا منصوبا على الظّرفيّة ، فدلّ ذلك على أنّه لو كان ممّا يقع غير ظرف لوقع في كلام ما غير ظرف ، كما (٥) أنّ «سقيا» و «رعيا» في المصادر كذلك ، والأمثلة قوله (٦) : «سرنا ذات مرّة» وشبهه.
وقوله : «ومثله عند وسوى وسواء» في الأمكنة إلّا أنّ «عند» يدخل عليها «من» ، فلم تلزم الظرفيّة (٧).
__________________
(١) ذهب الأخفش والجرمي والمبرد إلى أن «دخل» متعد ، وذهب سيبويه وابن السراج والفارسي إلى أن الاسم بعده منصوب بنزع الخافض ، انظر الكتاب : ١ / ٣٥ والمقتضب : ٤ / ٣٣٧ ـ ٣٣٩ ، والأصول في النحو : ١ / ١٧٠ ـ ١٧١ وأمالي ابن الشجري : ١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨ ، وشرح الكافية للرضي : ١ / ١٨٦ والمغني : ٦٣٧ ، وارتشاف الضرب : ٢ / ٢٥٣.
(٢) في د. ط : «عقل».
(٣) سقط من د : «كما ذكر».
(٤) نقل ابن الحاجب كلام الزمخشري بتصرف ، انظر المفصل : ٥٥.
(٥) في ط : «فكما» ، تحريف.
(٦) أي الزمخشري ، المفصل : ٥٥.
(٧) انظر المقتضب : ٤ / ٣٤٠ وأمالي ابن الشجري : ٢ / ٢٥٣.