عن «أن» ولا عن غيرها ، وقد جاء في الشعر شاذّا (١) :
فإيّاك إيّاك المراء فإنّه |
إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب |
وحمله الخليل على أنّه منصوب بفعل مقدّر ، كأنّه قال بعد تمام الكلام (٢) : احذر المراء ، وحمله ابن أبي إسحاق على أنّ أصله «إيّاك من المراء» فحذف حرف الجرّ لمّا كان المراء بمعنى «أن تماري» (٣) ، فحمله عليه (٤) من حيث المعنى على شذوذه (٥).
وقدّر سيبويه «إيّاى (٦) والشّرّ» منصوبا بفعل للمتكلّم ، كأنّه أمر لنفسه ، يعني : لأباعد (٧) نفسي عن الشّرّ ولأباعد الشّرّ عنّي ، وأنكره غيره وقال : المعنى على أنه يخاطب غيره على معنى «باعدني» ، وإليه ذهب الزمخشري (٨) ، وكلا التقديرين مستقيم ، وقول عمر / : «إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب» مثله ، وقدّره الزّجّاج بإيّاي وإيّاكم (٩) ، وأراد عمر النّهي عن حذف الأرنب بالعصا لأنّ ذلك يقتلها فلا تحلّ ، فقال : «ليذكّ لكم الأسل والرّماح والسّهام وإيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب» (١٠) ، فبالغ في نهيهم بأن قال : باعدوني عن حذفه ، فجعله من الأمر الذي يطلب منهم
__________________
(١) البيت للفضل بن عبد الرحمن القرشي ، وهو في طبقات النحويين واللغويين : ٥٣ ، والخزانة : ١ / ٤٦٥ ، وورد بلا نسبة في الكتاب : ١ / ٢٧٩ ، والمقتضب : ٣ / ٢١٣ ، وشرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ٢٥ ، وأمالي ابن الحاجب : ٦٨٦ ، والمقاصد للعيني : ٤ / ١١٣ ، ٤ / ٣٠٨ ، والمراء : المماراة والجدل ورواية البيت في الكتاب والمقتضب : «إياك إياك» وبذا يكون قد دخله الخرم.
(٢) سقط من د : «بعد تمام الكلام».
(٣) انظر الكتاب : ١ / ٢٧٩ ، وقال البغدادي : «وابن أبي إسحاق ينصبه يجعله كأن والفعل وينصبه بالفعل الذي نصب إياك». الخزانة : ١ / ٤٦٥.
(٤) سقط من د : «عليه» ، خطأ.
(٥) جاء بعد هذه الكلمة في ط من قوله : «ماز رأسك والسيف» إلى «لجريه مجرى المثل» ثم استؤنف الكلام ب «ثم قدّر سيبويه». وهو اضطراب في العبارة.
(٦) في د : «إياك» ، تحريف. وانظر الكتاب : ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ وشرح الكافية للرضي : ١ / ١٨١.
(٧) في د : «يعني بمعنى لأباعد».
(٨) انظر المفصل : ٤٩ ، وارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨١.
(٩) انظر شرح المفصل لابن يعيش : ٢ / ٢٦ ، وارتشاف الضرب : ٢ / ٢٨١.
(١٠) روى عبد الرزاق بن همّام الصنعاني قول عمر كمايلي : «يا أيها الناس هاجروا ولا تهجّروا ولا يحذفن أحدكم الأرنب بعصاه أو بحجر ثم يأكلها ، وليذك لكم الأسل والرماح والنبل». المصنف : ٤ / ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ، وروى البيهقي قول عمر فقال : «هاجروا ولا تهجّروا واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا ، ولكن ليذك لكم الأسل والرماح والنبل». السنن الكبرى : ٩ / ٢٤٨ ، وانظر الكتاب : ١ / ٢٧٤ وشرح الكافية للرضي : ١ / ١٨١.