الناس ، ولكنّ الذي ذكره هو قول الأكثر ، وهو الصحيح لأنّ «سواء» ليس بصفة في أصل وضعه ، فإجراؤه على باب الاسميّة أولى من إجرائه على باب
الوصفية ، ولو كان صفة في الأصل لكان تقديره فاعلا أحسن ، ألا ترى أنّ قولك : «مررت
برجل قائم أبوه» أحسن من قولك : «مررت برجل قائم أبوه» ، وقولك : «مررت برجل سواء
هو وأبوه» أحسن من قولك : «مررت برجل سواء هو وأبوه» ، وكذلك ههنا ، إذا جعله غير
فاعل ، فيكون «سواء» خبرا مقدّما ، كان أولى من جعله فاعلا ، فيكون «سواء» خبر إنّ
، وأمّا قوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ
أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) فهو فعل مقدّر بالمصدر ، وأصله كما مثّل ، وإنما عدل به
عن أصله تقوية لمعناه في غرض التّسوية ، فإنّ همزة الاستفهام و «أم» نصّ في استواء
ما وقع بعدهما ، فلمّا قصد إلى تقرير معنى الاستواء استعمل ذلك / اللّفظ مجرّدا عن معنى
الاستفهام منقولا للاستواء خاصّة ، وهم ينقلون الكلام وإن كان في الأصل لمعنى إلى
معنى آخر لأجل بعض ذلك المعنى ، ألا ترى أنّهم يقولون : «أمّا أنا فأفعل كذا أيّها
الرجل» ، ولا يعنون النداء ، وإنّما يقصدون الاختصاص ، لما في النداء من معنى الاختصاص.
وتمثيله بذلك
مع «تميميّ أنا» يشعر بأنّه عنده من قبيل الجائز ، ولأنّه قطعه عن قوله : «وقد
التزم» ، حيث ذكره قبله ، والظاهر أنّه ممّا التزم فيه التقديم ، لأنّه لم يسمع
خلافه مع كثرته ، ولشدة ما فهم منه من المبالغة في معنى الاستواء حتى فعلوا ما ذكرناه من
التغيير ، فيناسب تقديمه تنبيها على المبالغة وعلى التغيير.
__________________