الناس (١) ، ولكنّ الذي ذكره هو قول الأكثر (٢) ، وهو الصحيح لأنّ «سواء» ليس بصفة في أصل وضعه (٣) ، فإجراؤه على باب الاسميّة أولى من إجرائه على باب الوصفية ، ولو كان صفة في الأصل لكان تقديره فاعلا أحسن ، ألا ترى أنّ قولك : «مررت برجل قائم أبوه» أحسن من قولك : «مررت برجل قائم أبوه» ، وقولك : «مررت برجل سواء هو وأبوه» أحسن من قولك : «مررت برجل سواء هو وأبوه» ، وكذلك ههنا ، إذا جعله غير فاعل ، فيكون «سواء» خبرا مقدّما ، كان أولى من جعله فاعلا ، فيكون «سواء» خبر إنّ ، وأمّا قوله تعالى : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) فهو فعل مقدّر بالمصدر ، وأصله كما مثّل ، وإنما عدل به عن أصله تقوية لمعناه في غرض التّسوية ، فإنّ همزة الاستفهام و «أم» نصّ في استواء ما وقع بعدهما ، فلمّا قصد إلى تقرير (٤) معنى الاستواء استعمل ذلك / اللّفظ مجرّدا عن معنى الاستفهام منقولا للاستواء خاصّة ، وهم ينقلون الكلام وإن كان في الأصل لمعنى إلى معنى آخر لأجل بعض ذلك المعنى ، ألا ترى أنّهم يقولون : «أمّا أنا فأفعل كذا أيّها الرجل» ، ولا يعنون النداء ، وإنّما يقصدون الاختصاص (٥) ، لما في النداء من معنى الاختصاص.
وتمثيله بذلك مع «تميميّ أنا» يشعر بأنّه عنده من قبيل الجائز ، ولأنّه قطعه عن قوله : «وقد التزم» ، حيث ذكره قبله ، والظاهر أنّه ممّا التزم فيه التقديم ، لأنّه لم يسمع خلافه مع كثرته ، ولشدة (٦) ما فهم منه (٧) من المبالغة في معنى الاستواء حتى فعلوا ما ذكرناه من التغيير ، فيناسب (٨) تقديمه تنبيها على المبالغة وعلى التغيير.
__________________
(١) أجاز ابن كيسان أن يكون «سواء» خبر «إنّ» وما بعده قام مقام الفاعل ، انظر إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ١ / ١٨٤.
(٢). مذهب المبرد وأبي علي الفارسي أنّ «سواء» رفع بالابتداء و «أأنذرتهم أم لم تنذرهم» الخبر. انظر إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس : ١ / ١٨٤ ، والحجة للقراء السبعة : ١ / ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ، ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٠ ، والتبيان : ١ / ٢٠.
(٣) في د : «الوضع».
(٤) في ط : «تقدير».
(٥) في د : «اختصاصا».
(٦) في الأصل. ط : «وسره» ، وما أثبت عن د. وهو أحسن.
(٧) سقط من د. ط ، «منه».
(٨) في د : «فناسب».