ولم يكن وضع الخلفاء بأفضل من السلاطين ، فقد تركوا الأمر على غاربه ونفضوا من تفكيرهم أي نفوذ أو تدخل في شؤون الدولة ، وذلك مذ قدموا إلى القاهرة ، إذ أخذ الحكم من آبائهم في بغداد ، وقتلوا ، أو أبعدوا على يد هولاكو طاغية التتار ، ففرّ منهم من فرّ خوفا من السيف ، واختفى من اختفى ، وشرد من شرد ، وأتى بهم السلاطين المماليك ، ورفعوا عنهم ما أصابهم ، وأعادوا إليهم بعض ما فقدوا ، وأعزوهم بعد ذل ، وحضنوهم بعد تشريد ، وجمعوا أمرهم بعد إختفاء ، فكيف يتدخل هؤلاء الخلفاء في شؤون من آواهم ، وأوضاع من نصرهم ورفعهم؟ أو كيف ينافسونهم وينازعونهم؟ وأصبح ذلك أمرا متبعا وطريقة سائرة ، فبقوا صورة في الحكم ، بل إسما ليس له دلالة على شيء ، وزاد أمر ما صاروا عليه عما كان عليه أسلافهم في بغداد في أسوأ أوضاعهم عند ما كان يسيطر عليهم العسكريون من عرب أو ترك أو فرس ، وهذا ما جعل الخلفاء لا يعرفون ، ويختفون خلف السلاطين من المماليك الذين بيدهم الحل والعقد كله.
٢ ـ ومن ناحية وضع سلاطين المماليك :
حكم المماليك البحرية (١) مصر مدة أربع وأربعين ومائة سنة (٦٤٨ ـ ٧٩٢ ه) ولقد كان أمر أكثر السلاطين الذين تولوا أمر البلاد ضعيفا ، والقليل منهم كان قويا ، وغالبا ما يحاول السلطان أن يؤسس أسرة تتولى الحكم من بعده ، وما أن يموت حتى يثب الجند على ولده فيخلعوه ويتولى
__________________
(١) وهم مماليك الصالح نجم الدين أيوب (٦٣٧ ـ ٦٤٧ ه) الذين كثر عددهم ، وزادت تعدياتهم ، فضج منهم السكان ، فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة عام ٦٣٨ ه ، فعرفوا ب «المماليك البحرية» كما عرفوا أيضا باسم «الصالحيين» نسبة إلى لقب سيدهم ، ويقال لهم «النجميين» نسبة إلى اسم سيدهم.
انظر : محمود شاكر : التاريخ الاسلامي ، العهد المملوكي ص ٣٦.