العلماء والأعيان والتجار وغيرهم فخطب جلالة الملك خطابا بليغا نوه فيه بمسألة القضاء ولزوم صيانته من كل ما يمس كرامته ، وقسم الأمور القضائية بنسبة الحال في المدينة إلى قسمين قسم يتنازل الضعفاء والمساكين في الدعاوى البسيطة وقال : إن هؤلاء الضعفاء أحب أن أكون أنا المسؤول عن أمرهم فأنتخب لهم قاضيا منفردا من قبلي ينظر في مصالحهم ويجلس في مكان بارز للناس ، أما القضاء في الأمور الكبيرة التي تقع في المدينة فأريد أن أبرىء ذمتي منها وأفوض إليكم انتخاب قضاة تثقون بأمانتهم ودينهم وعفتهم يتولون القضاء في أموركم ، فأجاب بعضهم أن تولية القضاء حق من حقوق ولي الأمر ونحن لا نخلو من هوى في النفوس ، فيجب أن تستعملوا جلالتكم حقكم في التعيين وتكونوا أنتم المسؤولون عن حقوقنا فأجاب جلالته أن هذا الحق الذي هو لي قد أعطيتكم إياه لأبرىء ذمتي من هذا الموقف وتتحملوا أنتم مسؤولية أعمالكم.
وبعد أخذ ورد في هذا الموضوع وإصرارا من جلالة الملك عليهم أخذ بعضهم يرشح أشخاصا للقضاء ويسميهم بأسمائهم فتكلم ثلاثة أو أربعة وسمى كل واحد اثنين ، والناس محبذ وساكت ، ثم لم يشعر الحاضرون إلّا ورجل منهم وقف بين يدي جلالة الملك وقال : إن هذا المجلس يتكلم الناس فيه بالهوى والأغراض فلا أحب أن أجلس فيه ، ولم يسم أحد من الجالسين رجلا صالحا ثم أدار نفسه وهم بالخروج فلم يكن من جلالة الملك إلّا أن ابتسم للرجل وقال له : جزاك الله خيرا دعهم يتكلمون بالهوى وتكلم أنت بالحق وما عليك منهم فقال : إذا كان لا بد من القول فلا يصح للقضاء غير محمد بن علي التركي