فإذا قرب من العدو نحو ثلاثة أيام بعث عيونه أمامه ، ثم عدا فلا يلبث حتى يبغتهم وينزل قريبا منهم ، فلا يوقد عند جميع المسلمين تلك الليلة نار ولا كأنهم نزلوا بتلك الديار ، ثم ينادي المنادي لجميع المسلمين بعد صلاة العصر أن يحضروا عند سعود ، فيجتمعون عنده ثم يقوم فيهم ويذكرهم ما أنعم الله عليهم من الاجتماع على كلمة الإسلام ، وأن سببه العمل بطاعة الله والصبر في مواطىء اللقاء ، وأن النصر لا ينال إلّا بالصبر وما وعد الله الصابرين وعد الفارين المدبرين ، ويتلوا عليهم قوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال : ١٦] ، ويزجرهم عن الغلول الذي هو سبب الكسر والخذلان ، وما توعد الله من غل في كتابه وما ورد عن النبي صلىاللهعليهوسلم من الترهيب عنه.
يزجرهم أيضا عن العجب بالكثرة والزيادة في النفوس ، التي هي سبب الفشل والانهزام ، ويذكر ما قال الرجل في حنين : لم نغلب اليوم عن قلة حتى ولو ... (١) ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، فإذا فرغ انصرفوا إلى مواضعهم ومحاطهم حتى يتبين أول الصبح ، وكان قد أمر بعض الأعراب أن يبكروا بالصلاة على أوله ويشفوا الغارة ، فإذا صلّى الصبح ركب بالمسلمين وضجوا بالتكبير ، فيغيب الذهن في تلك الساعة ويوقن المسلمون بالنصر ، فيوقع الله بأسه فيمن قصدته تلك الجموع ، فلا يرفع السيف إلّا عن من لا يبلغ الحلم أو امرأة أو شيخ كبير ، وتؤخذ جميع الأموال.
__________________
(١) بياض في الأصل.