اليوم الذي قتل فيه أبوه ، وأخذ البيعة من جميع المسلمين أمراؤه في البواحي والبلدان ، فأمنت البلاد وطابت قلوب العباد وانتظمت مصالح المسلمين لحسن مساعيه ، وانضبطت الحوادث بيمن مراعيه ، فبلغ من الشرف منتهاه ومن سنام المعالي أعلاه.
وكان متيقظا بعيد الهمم يسر الله له من الهيبة عند الأعداء والحشمة في قلوب الرعايا ما لم يره أحد. وكانت له المعرفة التامة في تفسير القرآن ، أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، فأقام مدة سنين يقرأ عليه ، ثم كان يلازم على مجالس الدرس عنده ، وله معرفة في الحديث والفقه وغير ذلك بحيث إنه إذا كتب نصيحة لبعض رعاياه من المسلمين أتى فيها بالعجب العجاب ، وبهرت عقول أولي الألباب ، وكان أول ما يصدر النصيحة الرصينة بتقوى الله تعالى ، وتعريف نعمة الإسلام وتعريف التوحيد ، والاجتماع بعد الفرقة ، ثم الحظ على الجهاد في سبيل الله ثم الزجر عن جميع المحظورات من الزنا والغيبة والنميمة وقول الزور والمعاملات الربوية وغير ذلك ، وكل نوع من ذلك يأتي عليه بالأدلة من الكتاب والسنة وكلام العلماء.
فمن وقف على شيء من مراسلاته ونصائحه عرف بلاغته ووفور علمه ، وإذا تكلم في المحافل بنصيحة أو مذاكرة بهر عقل من لم يكن قد سمعه ، وخال في نفسه أنه لم يسمع مثل قوله وصفي منطقه.
وعليه الهيبة العظيمة التي ما سمعنا بها في الملوك السالفة بحيث أن ملوك الأقطار لا تتجاسر على مراجعة الكلام ولا ترفق بأبصارها إجلالا له وإعظاما ، وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة ، وكثير المداعبة والانبساط لخواصه وأصحابه.