خاف أن يحصل مدد لداود باشا ، فيبدد شمل عسكر العجم ، فما وسع رئيس عسكر العجم إلّا أنه أشار إلى طلب الصلح ، فأرسل الوزير من طرفه محمد بن أبي دبس ، ومحمد بن النائب تلميذه لأن يعقد الصلح مع والي كرمان رئيس العرضي.
فلما تفاوضا معه في هذا الشأن شرط رئيس العجم أنه أولا يعطي الوزير لواء بابان لعبد الله باشا الكردي ، ويعطي لواء كوى وحرير لمحمد بيك بن خالد باشا ، وأن يرسل الوزير الخلعتين الآن ، وأن يعفو عنهما ، وتولية العاصي وإن خالفت فرحان السلطان ، إلّا أنه يرى الحاضر ما لا يرى الغائب ، فداود باشا رأى المصلحة في الصلح اقتفاء بالرسول صلىاللهعليهوسلم في وقعة الحديبية ، فاستشار داود باشا أعيان خدمته ، وأعيان بغداد ، فكلهم أشاروا بالصلح ، فأخذ منهم سندات بأن لهم الرغبة في الصلح ، فحينئذ أمضى على أمر الصلح ، وأرسل الخلعتين إلى الواليين المذكورين ، فتمّ الصلح ، ورحل عرضي العجم ، وردّ من المنهوبات نحو عشرة آلاف من المواشي [٥٢].
وفي أثناء سفر رئيس عرضي العجم مات وهلك ، فصفت الدنيا لداود باشا وسالمته جميع الأعداء ، وهذا من علامة سعده ، وإن حظه لا زال في إقبال ، وفي أيام نزل والي كرمان قريبا من بغداد ، دخل سكان القرى خوفا من القتل والسلب ، فصاروا يتأوون في المدينة للاطمئنان ، ولكن بحمد الله لم يغل سعر الأقوات قط ، بل سعرها صار أرخص من الأول ، وهذا بسبب سياسة الوزير.
ومثل بغداد بلد كبير لا يمكن حصارها على الوج الأتمّ ، لأنها مدينة