ذلك حتى لحق بنفسه ليساعد العساكر بهمته ، ويطفىء نار الفتنة ، وأرسل إلى محمد بيك الكتخدا يأمره فيه سرّا أن يلحقه بعسكره ، فإنه إذا اجتمعت العساكر في نقطة واحدة يشتد فعلها ، وتكبر شوكتها ، فكتب إلى الباشا [٥٠] يعتذر إليه بأعذار باردة توجب تخلفه ، والحال أن ما مقصد الكتخدا إلّا الخيانة والانضمام إلى عسكر العجم ، لكن ما أحبّ إظهار الخيانة إلّا بعد أن يهلك جميع عساكر الباشا ، وعساكر الدولة.
فلما استشعر عبد الله باشا بخيانة محمد الكتخدا صار عنده عيدا ، فرحل ونزل قريبا من عسكر الكتخدا فأراد الكتخدا المحاربة ليوقع العساكر السلطانية في هوة الهلاك ، فنصحه جملة من كبار العساكر أن لا يحارب في هذا الوقت ، بل يلتحق بعسكره إلى الوزير داود باشا فأبى أن يسمع كلامهم ، وتجمعت عساكر العجم مع عبد الله باشا ومعهم والي كرمان ، وكانوا خمسة عشر ألفا ، وعسكر الكتخدا الخائن ثلاث آلاف ، فانتشب القتال بين الفريقين ساعتين فقط ، فكانت الهزيمة على الكتخدا.
وأما هو فلحق بالعجم مكرما معزوزا لما بينه وبينهم من المباطنة ، فعظم البلاء على المسلمين ، وفي تلك الأيام وقع وباء عظيم ، كاد أن يفنى أهل البصرة ، وقد والله كنت إذ ذاك في البصرة ، وشاهدت الهول ، والناس أيقنوا بالتلاف ، وتأسفوا على ما كان من أعمالهم ، فكأنهم حشروا ونشروا ، تراهم تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وهو طاعون كما ذكره الإمام النووي أن من علامات الطاعون القيء والإسهال ، ولكن صاحبه لا يبول فمتى بال سلم ، وقد كان لا يسلم ، واستمر في البصرة من آخر شوال إلى آخر القعدة ، ثم خف إلى أن أزاله الله بفضله ، وصاحبه تعتريه حرارة عظيمة ظاهرا وباطنا ، فبعضهم