وكان السلطان محمود ملكا عادلا زاهدا عابدا ورعا مجاهدا متمسكا بالشريعة ، مائلا إلى أهل الخير ، كثير الصدقات ، بنى المدارس الكبار وله من الفضائل والمآثر ما يستغرق الوصف.
وفي أيامه سنة ٥٥٧ ه عمل خندقا حول الحجرة النبوية مملوءا بالرصاص ، قال صاحب الخميس ، وسببه أن النصارى دعتهم أنفسهم إلى أمر عظيم ظنوا أنه يتم لهم ويأبى الله إلّا أن يتم نوره.
وذلك أن السلطان محمودا كان له تهجد من الليل فنام عقب تهجده فرأى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول : أنجدني من هذين تكرر ذلك ثلاثا ، وكان له وزير صالح يقال له : جمال الدين الموصلي ، فأرسل إليه وحكى إليه ما اتفق له ، فقال : وما قعودك؟ اخرج الآن إلى المدينة واكتم فتجهز وخرج ، فقدمها لستة عشر يوما فقال الوزير وقد اجتمعوا أنه قصد الزيارة ، وأحضر أموالا للصدقة ، فاكتبوا من عندكم ففعلوا ، وأمر السلطان بحضورهم ، كي يرى تلك الصفة فمن أعطاه أمره بالإنصراف ، فقال : هل بقي أحد؟ قالوا : لا ، قال : تفكروا ، قالوا : لم يبق إلّا رجلان مغربيان صالحان يكثران الصدقة قال : عليّ بهما فرآهما اللذان أشار النبي صلىاللهعليهوسلم إليهما ، فقال : من أين أنتما؟ قالا : جئنا حاجين فاخترنا المجاورة عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أصدقاني فصمما ، فقال : أين منزلهما؟
فأمسكهما وأحضروا إليه في رباط بقرب الحجرة فرأى فيه مالا كثيرا ، وختمتين وكتبا في الرقائق ولم ير شيئا فأثنى عليهما أهل المدينة بخير وقالوا : إنهما صائمان الدهر ، ملازمان للصلاة في الروضة وزيارة النبي وقباء كل سبت ، ولا يردان سائلا ، فقال : سبحان الله ، وبقي يطوف