ثم نزل السلطان بعد هدو من الليل مؤيدا ، وزينت البلاد بعد أن عاين أهل دمشق ، من نصف الليل إلى بكرة النهار سكرات الموت ، وتودعوا من أولادهم وأحبابهم وهلك منكوتمر من تلك الطعنة وهلك أخوه الطاغية أيضا بعد شهرين ، وكانا كافرين وكان سفاكا ، وتملك أخوه أحمد الذي أسلم سنة ٦٨٣ ه.
ومات أحمد المذكور صاحب خراسان والعراق وأذربيجان والروم ، وهو الذي أرسله القلاوون بالصلح ، وأسلم وهو صبي ، وكان قليل الشر ، مائلا إلى الخير ، قتله أرغون بن أبغا بن هلاكو ، وملك البلاد بعده في سنة ٦٧٩ ه ، ومات أرغون على كفره ، وكان ظلوما غشوما شجاعا قويّا يصف ثلاثة أفراس ، ويقف إلى جنب أولها ، ويطير في الهواء حتى يركب الثالثة ، وهو والد غازان وخرنبدة ، وملك كتجنو بن هلاكو سنة ٦٩٣ ه.
في سنة ٦٩٩ ه تيقن قصد التتار الشام ، فوصل السلطان الملك الناصر ابن قلاوون إلى دمشق ، في ثامن ربيع الأول حين بلغته الأخبار ، وركب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية على البريد واستحثه ورغبه في الجهاد ، وقد انجفل الناس من كل وجه وهجوا على وجوههم ، فسار الجيش ، وتضرع الخلق إلى الله ، والتقى الجمعان بين حمص وسلمية ، فاستظهر المسلمون وقتل من التتار نحو عشرة آلاف ، وثبت ملكهم غازان ، ثم حصل تخاذل ، ووليت الميمنة ، وكان السلطان آخر من انحرف بحاشيته نحو بعلبك ، وتفرق الجيش وقد ذهبت أمتعتهم ، ونهبت أموالهم ، ولكن قل من قتل منهم ، وجاء الخبر إلى دمشق من الغد فحار الناس وأبلسوا ، وجعلوا يسألون بإسلام التتار ويرجون اللطف وتجمع أكابر البلد ، وساروا إلى خدمة غازان ففرح وقال : نحن قد بعثنا بالفرمان بالأمان قبل أن تأتوا.