تمرة ، حتى يكاد يعمّ أهل البلاد كلهم فقيرهم وغنيهم كبيرهم وصغيرهم ، ثم يصبح على ذلك كل يوم من أول النهار إلى آخره.
جئته مرة فأعطاني عشر تمرات ، فلما خرجت من عنده استقللتها فأعطيتها فقيرا سقاء.
وكنت يومئذ صغير السن جدا ، ثم إني ندمت على إعطائي له ، فأنا إلى اليوم أذكرها لما وجدت حنئذ من فقدها ، وكانت تلك السنة شديدة وأظنها السنة التي حج فيها الأمير سلار ، فإن التمر بلغ في الحاج خمسين ، ولم يوجد من كثرة الحواجّ والأمراء ، وكانت الترك والأمراء ليسوا مثل اليوم في الهدية ، بل يحملون التمر بالمئين.
وأذكر في تلك السنة أن أعيان المجاورين كانوا يطلبون الحثالة من شدة الشهوة في التمر ، وما كان أحلاها إذا وجدت ، واتفق أن جاء والدي من عند الشيخ يعقوب الشريف المتقدم ذكره في محفظته بمدّ تمر ، فسررت به وإخوتي ، حتى لو كانت دراهم ما فرحنا بها كذلك.
هذا كان الحال في تلك السنة ، وأما حال الناس في غيرها فكانوا في حال دون هذا ، السعيد هو الذي يتغذّى بليلة ، والبليلة : حثالة وحشف مدقوقان يجعلان في قدح ويجعل عليه الماء ساعة ، فإذا ابتلّ قدم إلى العيال أكلوه كأنه عندهم حلوى ، ويكون ذلك غداؤهم حتى يأتي العشاء بما تيسر من جشيشة أو حريرة ، والناس اليوم ملوك أو كالملوك ولا يشكرون الله تعالى ، بل غلب عليهم بطر النعمة حتى اشتغل بعضهم بعضا من شدة الحسد والبغضاء.
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب |
|
فالناس بين مخاتل ومحارب |
يفشون بينهم المودة والصفا |
|
وقلوبهم محشوة بعقارب |
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحشر : ١٠].
وأخبرني جماعة عن هذا الشيخ الهروي : أنه لما قدم بمكة المشرفة أنفق على أهلها وضعفائها أموالا مستكثرة ، فرفع خبره إلى الشريف ـ