أظنه حميضة (١) ـ فجال ذلك في صدره ، ثم دخل على الشيخ في بيته على غفلة فرحّب الشيخ به وأجلسه في وسط بيته ، وقدم إليه كسيرات وشيئا من المخلّلات.
فقال : ما أريد إلا أن تريني ما في بيتك أو تعطيني ما يكفيني وحاشيتي.
فقال له الشيخ : البيت بين يديك ، والله ما أدخر عنك شيئا.
فقام الشريف وأعوانه إلى البيت ففتشوه وحفروه ، فلم يجدوا في بيته شيئا غير أواني المخلل وشيئا لا يعبأ به فتركوه وانصرفوا ، ولم يزل مستمرا على ذلك الإنفاق إلى أن توفي رحمهالله.
قال لي الشيخ جمال الدين المطري رحمهالله : كان شيوخ مكة ينكرون عليه شيئا من أحواله ، وذلك أنه كان كثير الطواف ليلا ونهارا ، فيطوف معه بالليل نساء مخدرات وغير مخدرات ، فيأخذ في مؤانستهن والكلام معهن.
ويقول : أنت فلانة كيف أنت؟ وكيف حالك؟ يعرفهنّ واحدة واحدة ، ربما تكون المرأة لا يعرف أحد اسمها فيسميها ، فينكر عليه الشيوخ فلا يلتفت إلى كلامهم ، ويرى أن ذلك طريقته وطريقة شيوخه للتستّر بهذه الأحوال ، وكان من أهل الريف. توفي بمكة رحمهالله ونفعنا بعباده الصالحين.
ثم كان من المشايخ الكبار أولي التحقيق ، والسادة من أهل الطريق أبو بكر الشيرازي (٢). كان من أصحاب السيّد الكبير شيخ زمانه سيدي أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ أبي الحسن الشاذلي ، كان الشيخ أبو بكر بالمدينة كالشيخ نجم الدين الأصبهاني بمكة ، كنت إذا رأيته رأيت رجلا من أهل الجنة ، شهرة مناقبه الجمة تغني عن تعدادها ، سكن رباط الشيرازي حتى توفي رحمهالله.
__________________
(١) هو : الشريف حميضة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي الحسني المكي ، الملقب عز الدين ، ولي إمرة مكة إحدى عشرة سنة ونصف سنة ، جرت له أحداث مع أخيه أبي الغيث وجرت بينهما حروب ، قتل سنة عشرين وسبعمائة. ترجمته في : «العقد الثمين» ٤ / ٢٣٢ (١٠٨٣) ، «سمط النجوم» ٤ / ٢٢٧.
(٢) ترجمته في ؛ «المغانم المطابة» الورقة ٢٢٨ / أ.