القراءات وانتفع الناس به ، وكان يسمع عليه الحديث ، سمعنا عليه «الشفا» للقاضي عياض ، و «دلائل النبوة» للبيهقي ، مع سراج الدين الدمنهوري رحمهمالله وغير ذلك ، وكان فقيها شافعيا من أعظم الناس ديانة وعفة مع كثرة عيال ، وكان يصلي في الروضة إلى جنب المنبر ، ويعزّ عليه إذا رأى أحدا في موضعه لكثرة ملازمته ، وكان متصديا للإقراء ، وظهر في آخر عمره رحمة الله عليه.
وحكى لي من أثق به : أنه جاء كتاب من مكة إلى شمس الدين صواب (١) المغيثي بأن يعطي لشرف الدين (٢) الزبير مئة درهم ، ولم يعلم بما في الكتاب أحد ، فحصل عند الطواشي من المئة خمسون درهما ، فأرسلها مع جمال الدين المطري إليه ، وكان المطري يفرح بخدمة الصالحين وإدخال المسرة عليهم ، فجاءه بالخمسين ، فقال له الزبير : بقي لي عندك خمسون درهما.
فقال له : من أين ، ما أعطيت إلا هذه.
فقال له : ردّها ما هي إلا مئة. فاشتدّ ذلك على جمال الدين ، وحنق عليه وجاء إلى المغيثي ، وحكى له ما جرى له. وقال : ما أتيتني بخير ، اتهمني وردّها علي.
فقال له الطواشي : صدق الشيخ ، كانت مئة درهم تيسّر نصفها ، فأردت أن يعجّل له لينتفع به حتى يحصل الباقي ، فرجع جمال الدين إلى الشيخ وأخبره. فقال له : ألم أقل لك.
فقال له : فمن أين عرفت أنها مئة؟.
فقالت : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم فشكوت عليه حالي ، فأعطاني مئة ، فلما أعطيتني خمسين علمت أن الرؤيا حق ، فطلبت الباقي فلا تلمني.
وذكر لي : أنه كان يوما على فاقة ، فرأى النبي صلىاللهعليهوسلم أعطاه ستة عشر درهما.
وقال : خذ هذه فأنفقها ، والأمر أقرب من ذلك.
__________________
(١) قد تقدم ذكره.
(٢) هو : شرف الدين الزبير بن علي الأسواني. وقد تقدم.