وكان إذا أعاره أحد كتابا ثم جاءه يطلبه منه يدخل بيته فيدوّر عليه ثم يخرج.
ويقول له : كتابك أخذ من بيتي الساعة ، ولكنهم سيردونه إليّ عن قريب ؛ لأن هذه عادتهم معي فيه ، فيذهب صاحب الكتاب وهو مشوش الخاطر ، ثم يرجع إليه فيجد كتابه.
فيقول : هذا كتابك ردّوه إليّ.
وكان متعبدا متحرّزا كثير الصدقة ، جرى له مع السراج حكاية اختصارها : أنه قال للسراج : عملت قصيدة ذكرت فيها من صفات النبي صلىاللهعليهوسلم ما لم يذكره غيري.
فقال له : هات منها ، فذكر أبياتا منها.
فبوطئه صار التراب طهورا
فقال السراج عند ذلك : كذب ، من قال هذا؟
فأخذ عليه وهجره ، وبعث إلى القاهرة يستفتي فيما يجب في ذلك عليه ، ومكث أياما كثيرة لا يصلي خلفه ويتركه حتى يقيم الصلاة ويدخل السراج في المحراب في العشاء الآخرة ، فيتقدم إلى الشمعة فيقد منها شمعة والإمام يصلي ، وربما ركع وهو قائم يحسن الطوافه ويفتل رأسها حتى أنكر الناس فعله والسّراج يتغافل عنه ويكره شره ، لأنه كان له بالقاهرة أهل وقرابة أجلهم الشيخ حسين الأسواني (١) أخوه علّامة القاهرة في وقته ، وولده أيضا من المتفننين المتقنين ، ولم يرجع الشيخ حسن عن فعله حتى قام عليه النكير واجتمع عليه الناس الصغير والكبير.
وأخبرني أنه لما انتقل من المدرسة ومنع من الجامكية ـ وكانت الجامكية يومئذ لها صورة ـ ، لقيه رجل فأعطاه صرة فيها القدر الذي كان يدفع إليه في المدرسة ، ولم يعرفه ولا درى من هو ، وكان أخوه شرف الدين الزبير مثله في الصلاح والدين وسلامة الباطن ، وكان إماما في علم
__________________
(١) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٢ / ٦٠ (١٦٠٢) ، «طبقات الشافعية» للإسنوي ١ / ١٦٨ (١٥١).