فقال السراج : لا نزيدكم عليها ولستم مثلنا ، ولا اشتغالكم كاشتغالنا ، والحكم في ذلك لي ، فإن كنتم محصّلين وفيكم مشتغلون ، فالموعد بيني وبينكم يوم الخميس عند القبة حتى أختبر الجماعة وأعرف أهل العلم من أهل الجهل. فوافقه والدي وحضر معه عند القبة ، وأحضر الجماعة ، فأخذ السراج يوبخهم ويؤنبهم.
ويقول لكل واحد : ما كتابك؟ وما قرأت منه؟ وما معك من الحاصل؟
وما تقول في مسألة كذا؟ ويتعنّتهم ، وكان منهم جماعة مشتغلون ، أحدهم الشيخ موسى الجزولي.
فقال له : هات كتابك فاعرضه عليّ.
فقال : لست بشيخي حتى أعرضه عليك. اسأل عني وعن علمي إذا جهلتني ، فقال لآخر : ما كتابك؟
فقال : كتابي «الرسالة» ، فقال : كتاب الكسالى ، ثم قال لآخر : ما كتابك؟ فقال : «الجلّاب».
فقال : هات اعرض وإلا فأعرض ، ثم قال لآخر : ما كتابك؟ فقال له : «الطليطلي» ، فقال له : أنحست.
وكان الشيخ أبو عبد الله القصري في القبة يقرأ القراءات ، فبلغه خبره وما عمل مع الطلبة وتهكمه بهم ، فقام من مجلسه وقد امتلأ غيظا وقد صار وجهه مثل قطعة السّحر من شدة ما وجد ، فجلس قريبا منه.
وقال : بلغني أنك قلت في كتاب «الرسالة» : كذا ، وفيها من المسائل كذا وكذا ، وفيها من حديث الرسول صلىاللهعليهوسلم ، كذا ، ومصنفها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد كان من العلماء الأتقياء العاملين ، ثم تقول : في كتاب «الطليطلي» كذا ، وكان من صفات مؤلفه كذا وكذا ، ثم تسلط على طلبة العلم وتوبخهم وتهينهم وتفعل معهم وتفعل ، وكم لك عندي من قضية وزلّة ، فعلت كذا في وقت كذا ، وأمرت بكذا في وقت كذا.
فقال له القاضي : اترك هذا يا أبا عبد الله واشتغل بنفسك.
ثم دفع الرمل بيده في وجه الشيخ ، غير أنه لم يصل إليه ، فقعد الشيخ