فعاد والدي إلى عادته من تدريس جماعته وتركه ، ولم يعاوده ولم يجتمع به ، فساءه ذلك واغتاظ ، وأمر القيّم أن يخرج من بالمدرسة من المالكية ولا يفرش لهم ، ولا يتركهم يسكنون فيها حتى يرجعوا عن رأيهم ويحضروا على عادتهم معه ، فترك والدي حينئذ المدرسة والتدريس بها واشتغل بنفسه وبحاله.
فقال له الشيخ أبو عبد الله : ما هذا رأي ، اجلس للجماعة بالمسجد وادع للواقف الذي أنشأ المدرسة ، ولا تقطع الجماعة وإفادتهم حتى يقضي الله بما فيه الخيرة لهم.
فأطاعه والدي ، وأخرج النقيب المالكية من المدرسة ، فمنهم من انتقل إلى الربط ، ومنهم من سكن بالكرى ، ومنهم من طلب السفر.
ثم جلس والدي في المسجد فاجتمع عليه في المسجد خلق كثير ، فكان السراج يمر على والدي ويرى حلقته وكثرة جماعته فيسؤه ذلك ، وخشي على نفسه أن يسمع عنه أنه أخرج الفقهاء من المدرسة لأجل الهوى ، وتعب قلبه لذلك.
فجمع أصحابه وقال لهم : يا أصحابنا هؤلاء الجماعة قدناهم إلينا بالسلاسل فلم ينقادوا ، وما يعود انفرادهم في المسجد علينا بخير ، والرأي عندي أن يرجعوا إلى المدرسة ونحن إلينا المرجع في العلوم ، فنعطيهم ما نشاء ونحكم عليهم ونضيق عليهم فلعلهم يرجعوا إلينا.
وأرسل إلى والدي. وقال له : ارجعوا إلى مكانكم وقوموا بما يجب عليكم ، فلي النظر والتفقد على الطلبة.
فلم يرع كلامه والدي ، ورجع ودرس على عادته ، فلما جاء وقت تفرقة التمر الموقوف على طلبة العلم بالمدرسة من الوقف المسمى «بالمليكي والبصة» أرسل إلى والدي بثمانين صاعا.
وقال له : فرق على جماعتك.
وأخذ هو وجماعته نحو المائتين صاعا ، فشاور والدي فيها أصحابه والشيخ أبا عبد الله. فقالوا : ردها لا تأخذها ، ولا تأخذ إلا النصف أو يحضر كتاب الوقف ، فردّها.