فقال لي : فاخفض قليلا ، فلم أفعل ، فأصابني عارض من نزلة منعتني أن أتكلم. فمرّ عليّ ، فقال لي : يا محمد ما ترفع صوتك!
فقلت بالإشارة : يا سيدي ، أنا تائب إلى الله تعالى ، ففرّج الله عني في الحين.
وكان الشيخ أبو الربيع ـ رحمهالله ـ فقيه المدينة ومفتيها على مذهب مالك ، وكان إذا سئل عن المسألة يقول للسائل : هل سألت الشيخ أبا عبد الله بن فرحون؟ يعني والدي رحمهالله.
فإن قال : لا ، يقول : اذهب واسأله وأخبرني بما يقول لك ، وإن قال : سألته ، يقول له : ماذا قال لك؟
فإذا أخبره نظر ، فإن كان مما اتفقا عليه أمر السائل به ، وإن كان فيه مخالفا ما ، قال له : اذهب حتى أجتمع به.
فيجتمعان ويحرران المسألة ، ثم يأمران جميعا السائل بما يتفقان عليه ، ولم يزالا كذلك حتى توفي قبل والدي بمدة طويلة رحمهالله.
وجاءت إلى السراج وظيفة التدريس في درس سلار ، فنكب عن والدي ، وطلع إلى الشيخ أبي الربيع في بيته بالمدرسة. وقال له : خذ هذه الوظيفة فدرّس فيها.
فقال له : يا سراج الدين ، وأين أنت عن الشيخ أبي عبد الله بن فرحون؟ والله إنّه أعلم مني وأحقّ بها مني.
وامتنع منها حتى رجع السراج يطلب لها والدي ، وكان ذلك من السراج لشيء خشي من وقوعه ، فوقع ما توقع ، والله غالب على أمره.
وأخبرني الشيخ عمر الخزّار : أنه حضر موته فكان يقرأ القرآن ، فلمّا فاضت روحه كان يقرأ آية في سورة يوسف انتهت قراءته إليها ، وهي قوله تعالى : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف : ١٠١].
فانظر إلى هذا الرجل ومقامه ، وما كان من علو شأنه ، كان لي ـ منه رحمهالله ـ نصيب وافر ودعاء كثير ، أرجو من الله العظيم أن يحقّق لي قبوله بمنّه وكرمه.