كانون فحم ، ويضع فيها ما تيسر ، فإذا طابت أكل ما وجده فيها على أيّ وجه كان ، وينزل إلى البئر فيملأ الابريق بنفسه.
فيقول له القيّم أو غيره ممن يعتقده : يا سيدي أنا أكفيك ذلك ، فيأبى.
ولم يزل على هذه الحالة حتى توفي رحمهالله.
أخبرني جمال الدين المطري رحمهالله : أنّ السنة التي جاء فيها التتر إلى أطراف الشام ، وتحرّك عليهم فيها الملك الناصر ، أيقن الناس أنه لا يكون في تلك السنة حاج ، وأنّ المسلمين اشتغلوا بأنفسهم ، فهمّ الأشراف بالمجاورين والخدام ، وقالوا : نغتالهم ونقتلهم ، ونطيّب المدينة منهم ، وجال الكلام بين الناس ، حتى أرجفوا بالمجاورين والخدام.
قال لي جمال الدين : فجئت إلى الشيخ أبي الربيع في الحرم فقلت : يا سيدي ، ما ترى ما الناس فيه من الوعيد والتهديد؟ فقال لي : ما يقولون؟
فقلت : كذا وكذا.
فقال : بل يكذبون ، بل هذه السنة آمن السنين ، والسلطان طيب ، وسيجيء في هذه السنة ، وكانت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة.
قال : فلم نلبث إلا قليلا إذ جاء الخبر بحجّ السلطان من الشام ، وجاءت الإقامات ، وتهدّمت الإرجافات ، وقوي رجال السّنّة ، والحمد لله بعد تلك المخافة ، فلله الحمد.
وأخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن سالم المكي (١) ، أنه كان ساكنا في المدرسة الشهابية في بيت بإزاء بيت الشيخ أبي الربيع.
قال الفقيه محمد : فكنت أدرس «التّنبيه» وأرفع صوتي ، وكنت جهوري الصوت لا أحسن أقرأ إلا كذلك ، ولا أحفظ إلا برفع صوتي.
قال : فتشوش الشيخ من رفع صوتي.
فقال لي : يا محمد ، إخفض من صوتك.
قال : فقلت : يا سيدي ما أقدر أن أقرأ إلا هكذا.
__________________
(١) هو : محمد بن سالم بن إبراهيم بن علي الحضرمي الأصل ثم المكي ، ولد سنة ٦٨٦ ه.
ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٧٧ (٣٧٦٨) ، «الدرر الكامنة» ٣ / ٤٤٢ (١١٨٢).