ثم ممّن صحبنا ، ومنّ الله علينا بحبّه وصداقته والأخذ عنه ، الشيخ الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السّبتي العبدري (١) ، أقام بالمدرسة الشهابية في المبرك (٢) هو والشيخ أبو عبد الله القصري ، كانا رحمهماالله متواخيين من عند شيخهما الإمام العلامة أبي الحسين عبيد الله بن أبي الربيع (٣) ، وعنه أخذ الفقه والحديث ، وكتب الشيخ أبو عبد الله القصري في ترجمة ابن أبي الربيع : إنه أعلم من رأيناه ، وأفضل من لقيناه.
كان الشيخ ـ رحمهالله ـ على طريقة الأولياء العلماء العاملين ، وكان إمام جامع سبتة ، وكان معه مال حلال ورثه ، وكان يسأل الله تعالى أن تكون وفاته عند آخر درهم منه ، وكذلك كان ، لم يتناول من حين دخل الحجاز إلى أن توفي طعاما ولا شرابا ولا ملبسا إلا من ماله ، وما قدم به معه. كان يلبس حسنا ويأكل طيبا.
وكان الشيخ أبو عبد الله القصري يلبس خشنا ويأكل قوتا إدامه باذنجانة واحدة ، أو قليلا من حمص ، وكان لا يأكل من لحم الحجاز ولا من سمنه ، وكان يهدى إليه من الشام شيء من قديد اللحم فيقبله ويتبرّضه (٤). واتفق أن طبخ الشيخ أبو عبد الله بن حريث القرشي طبيخا طيبا ، وسأل الشيخ أبا عبد الله القصري أن يأكل منه معه ، فأبى.
فقال له الشيخ أبو عبد الله بن حريث : كل منه فإنه أحلّ من طعامك ليس فيه شبهة.
فقال له الشيخ عن حرج : كيف يكون أحلّ من طعامي ، وما معك هو من أجرتك على الإمامة بسبتة؟
فقال : والله ما تناولت من معلوم الإمامة درهما ولا دينارا ، وإنما
__________________
(١) ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ١٩٩ (٥٣٩).
(٢) لعله يعني : مبرك الناقة.
(٣) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٢٦ (٢٨٠١).
(٤) يعني استكفى به. وانظر «لسان العرب» ، مادة : «ربض».