وكان له صولة عظيمة في المسجد على من رأى منه أدنى مخالفة ، خصوصا من رأى منه أدنى مخالطة لأهل الشر ، وقد بنى هو والشيخ ناصر الدين نصر عطا الله (١) دارين عظيمتين غرما عليهما مالا عظيما ، وتعبا فيهما تعبا كثيرا ، فلم يسكنا فيهما ، ولم يتمتعا بهما حتى توفيا ، عوضهما الله خيرا ورحمهما.
ولشفيع اليوم خادم صالح عاقل ، لم أر أحسن من سكونه وقلّة فضوله وعزلته عن الناس ، جزاه الله من نفسه خيرا ، فقد سلم الناس من يده ولسانه.
ومنهم شمس الدين صواب (٢) المغيثي رحمهالله ، ما كان أدينه وأورعه ، كان أول من يأخذ من محط خدمة المسجد الشريف وتعليق قناديله ، وأول من يسبق إلى المسجد من المصلين ، لزم إسطوانة المهاجرين حتى عرف بها ، وهي الأسطوانة الثالثة من أسطوانة التوبة عند المحققين ، وكان إذا جاءت نوبته في الخدمة يضع الأطعمة الكثيرة ، والألوان الفاخرة ، ويدعو لطعامه من عرف ومن لم يعرف ، وكذلك كان يفعل جميعهم سوى أنهم يتفاضلون في السخاء والكرم وطيب النفس ، يريدون بذلك وجه الله تعالى.
وكان ـ رحمهالله ـ على أهل الدولة له عقدة لا تنحلّ ، وشفرة لا تنكل ، نفعنا الله به بعد وفاة والدنا في سبع سيده ، وذلك أن بعض أهل الشر بذل للأمير منصور في وظائف والدي مبلغا جيدا ، حتى تكون كلها له ويخرجنا منها ، فأرسل الأمير إلى شيخ الخدام ظهير الدين يعرفه بأنه قد حصل له في هذه الوظائف كذا وكذا ، فإن دفع أولاد المتوفى هذا المبلغ ، وألا أخذتها منهم للذي بذل لي ذلك ، فعرض علينا الشيخ ذلك ، وقال : هل في حالكم شيء ولو ألف درهم؟
فقلت له : والله لم يخلّف لنا والدنا دينارا ولا درهما واحدا ، غير نفقة
__________________
(١) تقدم ذكره.
(٢) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٦٠ (١٨٢٥) ، نقلا عن ابن فرحون والمجد اللغوي.