من الحب ، أوصى بثلثها ، ودارا نسكنها وكتب نقرأ فيها ، فإن كتب الله قسمته ، وإلا فهي رزية وبلية ، نرجو من الله العظيم كشفها والعوض عنها.
فقام حينئذ شمس الدين المغيثي وصاح على الشيخ ، وقال : في مثل هذا تتهاون ، والله لا يصل هذا اللعين إلى وظيفتنا ، ولا يقرأ فيها أبدا إلا أن يفعل بي كذا وكذا. فبلغ ذلك الأمير ، فلم يسمع من الذي سعى عليها بعد ذلك في حقنا كلمة ، ورد الله كيد ذلك الرجل في نحره ببركة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وببركة والدنا ، ثم دارت الدائرة على ذلك الرجل ، فأخرج من جميع وظائفه التي تتعلق بالحرم الشريف ، والله تعالى مع الضعيف.
توفي شمس الدين في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة فيما يغلب على الظن رحمهالله ، ودفن أمام باب قبّة سيدي إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
ومنهم عزّ الدين دينار البدري (١) ، رحمهالله من خادم ، إذ قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم خادم ، كان مسكنه دار الشرابي بزقاق الخدام ، قد جعلها موئلا للإخوان ، ومرفقا لكل مرتاد ، يعد فيها للمرضى أنواعا من الأمواه والأشربة والأغذية ، لا يمرض فقير أو مجاور أو خادم إلا جاءه في الحين ، وحمل إليه من كل ما يحتاجه ، وكان عطاؤه عطاء السلاطين وإن أعطى ماء لسان الثور ، أو ماء خلّاف ، وما أشبه ذلك ملأ الإناء ، وكذا يفعل في الشراب والسكر وغير ذلك ، ومتى وصف لمريض فقير دواء سعى في تحصيله حتى يأتيه به ، ثم إنه لا يزال يطبخ في بيته الأشياء اللطيفة المناسبة ، ويحملها بنفسه على يده ، لا يستعين بعبده ولا بغلامه.
ولا أقول إنه يفعل ذلك مع أصحابه ومن يعرفه من عناياه (٢) وأحبابه ، بل يجري خيره على جميع الناس ، ويأتيهم في الربط والمدارس ، ويترقق لهم ويشفق عليهم ، ويشهيهم رحمهالله ، هذه حاله فيما ملكت يمينه.
وأما غير ذلك من مساعدة الضعيف والقيام مع المنكسر بدين أو فقر ، فالعجب العجاب ، ويخرج من ماله ويتضمّن في ذمته ، ويدخل على الغريم
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٣٣٤ (١١٩٣) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) يعني : من يعتني به من أقاربه.