واتّسم بأنه من أرباب الحقيقة ، وانعطف عليه هذا الطواشي وغيره ، فأسكنوه وقربوه ، وأتحفوه بأنواع الملابس وفاخر الأطعمة ، وكان قد تبدن وسمن من كثرة ما يأكل.
وكان يقول : الآن قام من عندي الخضر عليهالسلام. وقال لي : كذا وكذا ، إلى أن قال : لي ملك كذا وكذا.
ثمّ ترقّى حتى قال : كلمني القلم ، ورأيت الملكوت ، وأنواعها من هذه الترهات والخزعبلات ، وقام عليه جماعة من أهل الخير ، وبلّغوا الحاكم مقالته ونصب خيالاته ، فأدعي في مجلس كبير وحضره شيخ الخدام ، وجماعة من لفيف العوام ، فسألوا عما نقلوا عنه ، فكان يقول مقالة غير مقالة الآخر ، لم يجتمع على الشهادة اثنان فخلّي سبيله ، ثم سافر إلى القاهرة واشتهر بها ذكره وكثر أتباعه ، ثم انتقل إلى العراق فقيل : إنه قتل بها.
قال لي والدي رحمهالله : إن هذا الرجل كان له مال كثير ورثه من والده ، فأخرجه على الفقراء وتصدق به كله ، وخرج فقيرا ، لكنه لم يقف عند حده ، بل طمع في الولاية ، وهي لا تحصل إلا بالموهبة الإلهية ، والعناية الربانية ، وإنما ذكرت حال هذين الرجلين تنبيها على حسن اعتقاد الخدام في المجاورين ، وجميل ظنهم فيهم رحمهمالله تعالى.
ومنهم عزّ الدين مختار الحلبي ، كان من كبار الخدام ، وممن اتصف بأحوال الصالحين ومحبة العلماء ، أثنى عليه الشيخ عبد الواحد الجزولي (١) رحمهالله ، وذكر له مناقب كثيرة ، وكان مسكننا مع والدنا في داره التي أوقفها على جمال الدين المطري مجاورة لرباط الشيرازي ، وهي اليوم وقف على أولاده رحمهمالله تعالى.
ومنهم شفيع الكرموني (٢) ، كان ـ رحمهالله ـ من أحسن الخدام شكالة وطولا ، وأعدلهم بنية ، وكان من أقدرهم على مخالطة الناس ،
__________________
(١) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٢٠ (٢٧٦٥) ، نقلا عن ابن فرحون.
(٢) ذكره في : «التحفة اللطيفة» ١ / ٤٤٤ (١٧٤٠) ، نقلا عن ابن فرحون.